ووجب إيجاد مجلس أعلى مختص بذلك يجمع قيادة العلماء الكبار، والقيادات الكبرى في الجيش، ونواب الشعب، وأهل الشورى، والقيادات الكبرى المتبعة.
ويكون المجلس الأعلى من عدد مرجعي من هؤلاء شرعيين وسياسيين وقياديين.
وقلنا بوجوب تشكيله بما سبق؛ لأنه مقصود بالنص قصدا أوليا وسيليا؛ لأنه لا يتم الرجوع في الأمن والخوف العامين الآن إلى أهل الأمر المعتبرين إلا بذلك، والوسائل تأخذ أحكام المقاصد.
ولا بد قبل اتخاذ قراراته النهائية الكبرى التي تتعلق بالأمن والحرب أن تعرض على نواب الشعب وأهل الشورى.
ويتخذ المجلس الأعلى للأمن والحرب قراره بعد ذلك حتى يتحمل كافة أولي الأمر مسئولية القرار؛ ولأن الآية أطلقت «أولي الأمر» فشمل سائر القيادات المطاعة في الشعب، ولتعذر استقصاء مشورتهم يقوم عنهم نوابهم وأهل الشورى والمجلس الأعلى بمكوناته السابقة.
ولأن الميسور لا يسقط بالمعسور، وهذا متيسر بخلاف استقصاء كل أولي الأمر في الأمة أو الشعب.
فإذا صدر قرار المجلس -حينئذ- وجب طاعته والعزم فيه، وحرم التردد بعده «وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين» (آل عمران:159).
وقراره بالجهاد في سبيل الله يجعله فرض عين على من استنفروا، بدءا بالقوات المسلحة، ثم كافة أفراد الشعب؛ لأن الاستنفار العام يوجب الجهاد العيني على كل فرد للنص «يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل» (التوبة:38).
ثم عمم ولم يستثن أحداً «انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون» (التوبة:41)، وتوعدهم عند التخلف «إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير» (التوبة:39).
وفي الحديث «وإذا استنفرتم فانفروا».
وعلى هذا كلمة العلماء كافة.
وواجب بحسب القضية حينئذ التعبئة العامة في كافة أجهزة الإعلام التابعة للدولة المسلمة حكوميا وأهليا وقنوات وصحافة وإعلام مرئي ومسموع ومواقع إلكترونية «وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا» (النساء:84).
ويمنع مخذل ومرجف وهو منافق ويتعامل معه بالمصلحة العامة، وقد تصل إلى المنع «فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين» (التوبة:83).
ووجود مناهضين للحرب بعد تعذر السلام وفشل مساعيه؛ إن كان في القتال مع كافرٍ مُحْتَلِّ فهو نفاق، أو كان في قتال داخلي لصد بغاة على الجماعة بعد الصلح فلا حرج عليه؛ لأنه يجوز الاجتهاد في المسألة لوجود نصوص مانعة عن قتال أهل الإسلام، وأخرى تجيز قتال باغ بعد الصلح «فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا» (الحجرات:9).
وبها اعتزل بعض الصحابة القتال في الفتنة، وعذروا من الجانبين، فكان الإجماع.
ولا عذر لمتخلف في قتال الكفار المعتدين عند النفير العام؛ للنص في النفير خفافا وثقالا.
ولعقوبة الثلاثة المؤمنين المتخلفين بالنص «وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم» (التوبة:118).
وللحكم على القاعدين بالنفاق في نصوص صريحة «وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم» (التوبة:90).
ولحصر أهل الأعذار بالنص «ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم* ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون* إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون» (التوبة:91-93).
الحلقة السادسة من فقه الجهاد _ المقدمة في فقه العصر
أ.د. فضل_مراد
أمين لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة بجامعة قطر