Dr.Fadil

الوظيفة في بلاد الكفار

أ.د فضل مراد

0

الفقه الوظيفي
الوظيفة في بلاد الكفار:
والوظيفة في البلاد غير المسلمة جائزة؛ لعموم أصل الإباحة، ومن ادعى المنع فعليه بالدليل الصحيح الصريح الخالي من المعارضة.
والنهي عن الإقامة بين ظهراني المشركين كان للإلزام بالهجرة إلى المدينة، فلما فتحت مكة رفع الإلزام بـ «لا هجرة بعد الفتح»، ويحمل المنع بعدها على حالة الحرب؛ لإمكان إصابة مقيمين من المسلمين، ولأنه -أي المقيم- ناقص النصرة، لا نصرة له في حالة استنصاره وهو في بلد معاهدة «وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق» (الأنفال:72).
وهذه من علل النهي عن الإقامة.
وقد كف الله أيدي المؤمنين عن مكة؛ لأجل المقيمين من المسرين بالإسلام «ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء» (الفتح:25)، والعلة هي «فتصيبكم منهم معرة بغير علم» (الفتح:25)، وهذه تبعة، فنهى عن الإقامة تبرئة للذمة في مثل هذه الحالات.
فالبراءة في حديث «أنا بريء من مقيم بين ظهراني المشركين تتراءى نارها» هي براءة تبعة من إصابته حال حدوث حرب، فلا يلزم إثم ولا دية؛ لتعذر التمييز بين مشرك ومسلم مقيم بينهم.
ولأن الصحابة بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم أقاموا في الحبشة مهاجرين الهجرتين واستمروا بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلزمهم بترك بلاد الكفر إلى المدينة كما ألزم من كان في مكه، وكانت الحبشة على النصرانية، فدل على جواز الإقامة في بلد غير مسلمة، ولا يقال هو منسوخ بحديث المنع؛ لعدم ثبوت التاريخ، بل هو دليل على ما قدمنا أنه نهى لرفع التبعية والمسئولية عن المقيم في بلد الحرب حال الحرب.
ولأنه لو حمل حديث المنع من الإقامة في بلاد الكفار على عمومه للزم وجوب هجرة المسلمين كافة إلى بلاد الإسلام، وهذه مشقة خارجة عن المعتاد، وقد نسخ هذا بـ «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية».
فلو منع من أسلم من الإقامة في أهله وأرضه لشق ذلك على من أراد أن يسلم في أصقاع الأرض، وللزمه الهجرة، ولم يقل بهذا أحد من أهل الإسلام، ولأدى ذلك إلى الصد عن الدخول في الإسلام لهذه المشقة؛ لأن مفارقة الوطن والأهل من أعظم المشقات.
ولذلك اختبر الله بها عباده المهاجرين الأولين، وألزمهم بها نصرة لدولته ورسالته ثم نسخت إلى يوم القيامة بالنص الصحيح الصريح المجمع على العمل به.
فالأصل الإباحة الأصلية العامة زمانا ومكانا، وأشخاصا في العمل في أي مكان على وجه الأرض.
ويجوز لمسلم أن يلي ولاية للكفار في بلادهم تعود بالنفع الإنساني عليهم، لفعل يوسف الصديق، وله أن يقدم الاستشارات والخبرات في وظيفته، وأن يقوم فيها بالعدل والقسط والإحسان والأمانة؛ لعموم الأدلة في ذلك ولم يخصصها دليل إلا أن يعمل لحربيين ما يقويهم على ضرر الإسلام فيحرم.
ولأن يوسف تولى ولاية عامة للكفار وهو من الرسل، ولم يخصص ذلك دليل.
بل ساقه الله مساق المدح والامتنان عليه وسماه تمكينا ورحمة «وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء» (يوسف:56).
فمن تولى ولاية عامة أو غيرها في بلاد المسلمين أو غير المسلمين فهو تمكين ورفعة ورحمة.
وظيفة المسلم في القوات المسلحة غير المسلمة:
ويجوز الوظيفة في القوات المسلحة في غير بلاد المسلمين بشرط أن لا تكون حربية على المسلمين تحالف عدوهم، وتحميه أو تظاهر عليهم في قراراتها، أو تشارك في احتلال بلادهم؛ لأنه حينئذ تعاون على العدوان على المسلمين «ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله» (المائدة:2).
فإن كانت كدولة النجاشي الملك العادل جاز، ولا يقال ثبت إسلامه؛ لأنه ولو كان مسلما كان حاكما لدولة نصرانية.
ويرجح المنع أن وظيفة الجيش والأمن في أي دولة هو حماية الدولة ونظامها ودستورها وقوانينها ومعلوم أنها تقوم في دستورها وقوانينها على حكم الطاغوت المأمور بالكفر به فوظيفة المسلم في القوات المسلحة غير المسلمة مناقض لهذا الأصل؛ لأنه حماية للطاغوت.

أ.د. فضل مراد
أمين لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة بجامعة قطر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.