وأما واجبات القتال: فَذِكْرُ الله تعالى كثيرا للنص «يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون» (الأنفال:45).
والإكثار منه مقصود بالنص، فلا يجزئ الذكر بقلة.
والأمر دليل الوجوب، وتعليله بالفلاح دليل على عظيم إيجابه.
ويحرم السماح للمنافقين بالخروج في سبيل الله.
ويجب منع مخذل ومرجف وعميل؛ لأنهم منافقون «فإن رجعك الله إلى طآئفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين» (التوبة:83).
«لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين» (التوبة:47).
ومن ذكر الله في القتال الدعاء نحو «وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين» (آل عمران:147).
ويجب التحريض على القتال والتعبئة ورفع المعنويات والتبشير «يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون» (الأنفال:65).
والتعبئة المعنوية على القتال تحريضا، وتبشيرا، وترهيبا من التخاذل، مقصودة في النصوص.
فمن أبلغ ما ورد في ذلك:
«وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون» (التوبة:12).
«ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين» (التوبة:13).
فعلل لهم أسباب القتال بنكثهم للعهود وطعنهم في الدين وذكرهم بأبشع غدرهم واستهدافهم قيادتهم «وهموا بإخراج الرسول».
وهو تنبيه على السوابق الإجرامية بحيث يندفع الشك في احتمال حسن النوايا واحتمال أن الواقعة الحالية كانت فلتة وخطأ.
وسبَّب لهم بأسباب تزيل ذرائع البعض بعدم العدوان «وهم بدؤوكم أول مرة» (التوبة).
وبعد استقصاء السوابق والعلل عيَّرهم بما لا يرضى أحد أن يوصف به عادة، وهو الذل والخوف والجبن رغم عدالة قضيتهم، وإمكان انتصارهم لو أعدوا «أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين» (التوبة:13).
ثم بشرهم بحسم المعركة ونتائجها «قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين» (التوبة:14).
ثم بين لهم أن هذا الأمر أصبح واقعا لا خيار فيه، وليس طارئا بل هو الواقع الذي لا مفر منه ولا مناص كسنة لابتلاء المؤمنين «أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون» (التوبة:16).
ثم بين لهم أن الجهاد في سبيل الله أعظم من عمارة المسجد الحرام وخدمته، ثم بين لهم الخيار بين الله ورسوله أو الأهل والأموال والمتاع والمساكن ولا ثالث لهذين «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون* قل إن كان آباؤكم وأبنآؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين» (التوبة:23-24)، ثم ذكرهم بأيام الله وقدرته «لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين» (التوبة:25).
وهذا البيان من أول النصوص إلى آخرها لا يدع لأحد مجالا للتخاذل والتراجع إلا إن كان منافقا.
قاعدة هامة تستنبط من هذه النصوص وأمثالها وهي: التحريض على الفعل أبلغ من الأمر به.
التفصيل القتالي بما يتعلق بالمعركة من الأحكام:
وإذا حصل سبب يوجب الجهاد في سبيل الله من الأسباب السالفة أرجع الأمر إلى أهل الشورى من العلماء وأولي الأمور «وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا» (النساء»83).
والعلماء قائمون مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حمل الشرع، وأولو الأمر يمثلهم القيادات المعتبرة، فإن كانوا معينين في مجلس رسمي رجع إليهم.
الحلقة الخامسة من فقه الجهاد _ المقدمة في فقه العصر
أ.د. فضل_مراد
أمين لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة بجامعة قطر