المسائل الستون الحاكمة لفقه الدعوة
إلى كل داع إلى الله وسبيله في الأرض
أ.د. فضل بن عبد الله مراد
رئيس منصة الإفتاء اليمنية
مؤسس مشروع فقه العصر التجديدي
من كتابنا: المقدمة في فقه العصر باب فقه الدعوة
1_ الدعوة إلى الله تعالى هي: تبليغ مضمون الرسالة في أركانها الأربعة التي جمعت في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) (الجمعة:2).
2_ وهي أمر للرسول صلى الله عليه وسلم ومن تبعه (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108).
3_ وهي أفضـل الأعمـال (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33).
4_ وهي تفرغاً فرض كفاية (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104).
(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة:122).
5_ والواجب فيها الحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالأحسن، للنص (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125).
6_ ويجب فيها التبشير لا التنفير فهو إثم للنص: «بشرا ولا تنفرا وتطاوعا»( ).
7_ والبدء بالتدرج من أكبر الفرائض فما دونها بدليل حديث معاذ لما أرسله إلى اليمن( ).
8_ والأصل أن لا يأخذ على الدعوة أجرة (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا) (الأنعام:90).
9_ ويبدأ بنفسه وولده وأهله الأقربين وسائر الناس (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) (الشعراء:214)، (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (طه:132)، ولا تعارض بين هذه المراتب.
10_ ويجب قصد وجه الله لا عرض الدنيا (إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ) (يونس:72).
11_ وأصلها قائم على تعبيد الخلق لله (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56).
12_ وليعالج ما عليه العمل، ويبدأ بالأصول القاطعة؛ لأن عليها مدار النجاة (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا) (النساء:31).
13_ ولا يُثِر الخلاف المُفَرِّق؛ لأنه مذموم (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ) (آل عمران:105).
14_ ولا يدع إلى اتباع مذهب عصبية بل إلى الكتاب والسنة.
15_ واتباع مذهب جائز؛ لعموم (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (الأنبياء:7)، وفقهاء المذاهب من أهل الذكر.
16_ ومن ألزم نفسه بمتابعة قول مذهب في كل فتوى جاز؛ لإطلاق النص، ولأنه إن فعل ذلك فقد أدى التكليف.
17_ ولا يحرم عليه الانتقال، أو سؤال آخر من غير المذهب، أو تقليده؛ لعموم الدليل في سؤال أهل الذكر، ومن ادعى الحرمة احتاج إلى الدليل.
18_ ولا يتعصب لقوله المحتمل؛ لأن الله علق النجاة على القواطع (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا) (النساء:31)، فدل على أن غيرها معفوٌّ عنه، فالتعصب لما سبيله العفو خلاف مقصود الشرع.
19_ ولا يتعصب ويغضب إلا لقاطع، أو قريب منه.
20_ وليهتم بما عليه النجاة من قطعيات الشريعة، فإن عليها مدار الدين، وفيها يُقَصِّر الخلق ودونها يغفره الله إن اجتنبت، للنص السابق.
21_ ومن أخذ بقول مجتهد، فلا يحرج عليه بالإنكار، إلا لبين الخطأ من مخالفة نص لم يطلع عليه ذاك.
ولا يُجرِّح لقوله تعالى (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ) (الإسراء:53)؛ ولأن دعوة الرسول لم تكن على هذا.
22_ ولا يكفر المعين إلا بقاطع قامت به عليه الحجة.
23_ وليكن قويا في الحق لا يلين، ولا يضعف، ولا يهن، ولا يستكين.
24_ وليكثر من الاستغفار لذنبه (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (آل عمران:146-147).
25_ والإكثار من التسبيح بحمد الله بكرة وعشيا، وآناء الليل وأطراف النهار، وأدلتها كثيرة (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى) (طه:130).
26_ ولا يترك قيام الليل وكثرة الدعاء لربه وتلاوة القرآن، ولا الصلوات جماعة؛ لأنها من أعظم شعائر الدين.
27_ وليصبر على ما يصيبه؛ لأنه سيبتلى (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) (الطور:48)، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد:31).
28_ وليثق بالله ورزقه ونصره (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر:36)، ولقوله تعالى (لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ) (طه:132).
29_ وليحذر الذنوب (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63).
30_ ولا يكن ظهرا لمجرم (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ) (القصص:17).
31_ ولا يجادل عن الخونة ولا يخاصم عنهم، لقوله تعالى (وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا) (النساء:105)، ولقوله تعالى (وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ) (النساء:107).
32_ وليبلغ الدعوة ولا يخف في الله لومة لائم (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) (الأحزاب:39).
33_ وليصبر نفسه مع عامة المؤمنين (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف:28).
34_ وليحذر المنافقين وكثرة مجالستهم؛ فإنه داء (فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (التوبة:95).
35_ وليحب المؤمنين ويواليهم وينصرهم (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) (التوبة:71).
36_ ويقم بحق المسكين واليتيم والأرحام والضعفة (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) (الإنسان:8).
37_ ولينصر المظلوم لحديث «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما»( ).
38_ وليسعَ في قضاء الحاجات «من نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة»( ).
39_ وليحذر الغيبة لأهل العلم وللمؤمنين وتنقصهم فإن الله ينتقم لهم (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) (الأحزاب:58).
40_ وليكن قائما بالعدل والقسط وشهادة الحق ولو على نفسه والوالدين والأقربين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) (النساء:135).
41( وليحذر أكل المال بالباطل والتكاثر في الدنيا (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:188).
42_ ويُشْرَع الاهتمام بوسائل الدعوة من صحافة وإعلام ونقابات ومواقع إلكترونية، والمجالس الجامعة، والقدوة الحسنة، ودروس العلم، وخطب الجمعة، ومواسم الدعوة والمخيمات والمراكز، والدورات العلمية، والرحلات، والخروجات الدعوية، والمبيتات الجماعية، والحلقات التربوية، والزيارات الخاصة والعامة.
43_ وعليه دوام ذكر الآخرة وما عند الله؛ فإنها سنة الذين أنعم الله عليهم واتباعهم هدى (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) (الفاتحة:6-7).
44_ ولا يمدنَّ عينيه إلى المتاع الزائل؛ لأنه قد أوتي أعظم من ذلك (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ* لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الحجر:87-88).
45_ ولا يكثر من ذكر الدنيا والتجارات والعمارات والعقار، فإنه مرض في القلب وهم فارغ وخروج عن سنن حملة الرسالات (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (التوبة:55).
46_ وعليه النظر إلى حال دين الناس، ومطالعة سير السلف أهل الصراط المستقيم في عباداتهم ودعوتهم لقوله تعالى (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) (الفاتحة:6-7)، وطلب صراطهم طلب لمعرفة هديهم وسيرهم.
47_ ويجوز الانتماء إلى جماعة على الكتاب والسنة( )؛ لأنه تعاون على البر والتقوى ولأن الحرمة لا تكون إلا بدليل وإلا فهو وصف محرم (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) (النحل:116).
48_ ويجوز التعاهد معهم على العمل على الشريعة( )، وقد تعاهد بعض الصحابة على أمور في الطاعات كالموت في سبيل الله( ).
49_ فإن انتظم معهم فعليه الطاعة لأمرائه في طاعة الله فيما يخص مصلحة الدعوة؛ لعموم (وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ) (النساء:83).
50_ وليست بيعة ولاية عامة، بل يمين على أمر خاص في الطاعة، والوفاء بها واجب (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ) (البقرة:177)، (وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) (النحل:91).
51_ فمن لم يستطع القيام بما التزم به جاز له التحلل منهم، والتكفير عن يمنيه بخلاف البيعة العامة السياسية، فإنه لا تحلل منها، ولا كفارة لها.
52_ وكما لا مدخل للبيعة العامة في الأمور الخاصة للشخص كذلك بيعة الدعوة.
فلا يتدخل الإمام الأعظم في الأمور الشخصية لأجل البيعة؛ لأن موضوعها هي المصالح العامة لا الشخصية، وكذلك بيعة الدعوة موضوعها دائرة الدعوة.
53_ ولا يجوز لجماعة على الكتاب والسنة، أن تأمر فردها ألا يحضر مع الجماعة الأخرى على الكتاب والسنة بسبب خلافات ليست قطعية.
54_ ويجب عليه الامتناع إن منعوه من مخالطة فرق الضلال أهل النفاق والظلمة والابتداع الظاهر، كالفرق التي تقع في سب الصحابة وأعراض النبي صلى الله عليه وسلم، أو الفرق التي تقتل أهل الإسلام وتستهدفهم وتخرج عن جماعتهم.
55_ ويجوز للمرأة الانتماء والبيعة بإذن زوجها ووليها.
56_ وتقدم طاعة زوجها على ذلك؛ لأن الدعوة فرض كفاية وطاعته فرض عين، فهي مقدمة. والأمر بترك فرض الكفاية ليس أمرا بالمعصية.
57_ ويشترط في انتماء المرأة أن تكون في قطاع نسائي لا مختلط؛ فإن الاختلاط لا يخدم حفظ العرض، وهو أحد مقاصد الشريعة التي عليها مدارها، والمرأة هي أصل العرض.
فكل عمل تقوم به يجب أن يضبط بهذا، ولا مرتبة وسطى هنا، أي: لا حفظ ولا ضرر( ).
58_ أما ذهاب بعضهن للغزو مع محارمها، فمحرمها رافع للمنع المعلل بالاختلاط الذي لا يخدم حفظ العرض، ولأن ذهابها ليس قصدا، بل تبعا لا للغزو.
ولو كان قصدا لغزت النساء وتسابقن على ذلك، بل قصد الشرع بالنص ترك تكليفهن بذلك لما أردنه، فقال صلى الله عليه وسلم: «جهادكن الحج»( ).
فذهاب بعضهن مع هذا نادر متطوع به تبع لا أصل، وهذه أمور مؤثرة في الفتوى؛ لاشتراط تساوي الفرع والأصل عند القياس، فإذا اختلفا -كما هنا- لم يصح القياس.
فلا يقاس إلا بمطابقة الفرع للأصل، وأين هذا من هذا؟
وغاية ما يستدل به هو جواز خروج المرأة مع زوجها الغازي إن أُمِنَ عليهن من نحو أسر العدو.
فلا يدل هذا الدليل على ممارسة الدعوة من المرأة لعامة الرجال في مجالسهم ومحافلهم ومجامعهم، لا بعموم، ولا بدلالة قياس.
ولهذا كله اختلفت بيعة الرجال عن بيعة النساء؛ فإن بيعتهن بيعة أخلاقية( )، وبيعتهم بيعة نصرة، وحماية، وبلاغ، وسمع، وطاعة في المنشط والمكره( ).
وهذا يدل على أنه لا فرض عليهن في ذلك.
59_ واشتراك ذكور وإناث في حلقة واحدة أو نحوها في تنظيم لجماعة أو حزب محرم؛ لأنه يعود على أصل حفظ العرض بالخلل والإبطال فبطل، ولا يفعله إلا زائغ مائل عن الصراط المستقيم (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) (النساء:27).
وقياسه على حضور عيد وجماعة مسجد لا يصح لفقدان شرط تساوي الفرع والأصل.
60_ ويصح القياس على العيد وجماعة المسجد في حضور المرأة الجمع العام الظاهر لعدم تأثيره على حفظ العرض بالإبطال والإخلال( ).
والحمد لله رب العالمين.
