الحب الرباني وتشكيل الحياة
الحب الرباني وتشكيل الحياة..
أ.د. فضل بن عبد الله مراد
رئيس منصة الإفتاء اليمنية
مؤسس مشروع فقه العصر التجديدي
قال سبحانه وتعالى: (وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني )
هكذا تولى ربنا حماية عبده الضعيف بألطف جنده
إنه الحب .. ألطف شيء وأرقه تحول بأمر الله إلى ترسانة حماية ربانية
لأن الله أراد ذلك
وهو سبحانه يصنع ما يريد كيفما يريد في الوقت الذي يريد
ولتعرف مدى قوة هذه الحماية الربانية فعليك أن تتصور طفلا رضيعا ألقته أمه في اليم ذعرا من فرعون وجنوده الذي يبغون ذبحه.
لقد ساقه الله إلى قصر من يطارده متحديا وعطل كافة قرارات الطاغوت الصادرة ضده وصارت لا شيء.
لقد جاءه إلى داره متوشحا درعا ربانيا ألقاه ربه عليه من السماء فألبسه إياه.
(وألقيت عليك محبة مني ). …
إنها صورة بلاغية كاشفة لرحمة ربانية ملقاة على عبده الضعيف الرضيع ليتحدى أعتى طواغيت الأرض في التاريخ، بل ويعيش معه حياته في أمان ودعة
لقد أرد الله ذلك فكان
ولقد أراد الله أن يصنعه على عينه فسخر له ألد أعدائه
وهذه اللفظة كافية في توفير إمكانات صناعة قائد عظيم من قواد البشرية.
ولو كان في قصر مفسد تاريخي.
لكن عين الله إذا صنعتك فلن تؤثر فيك مؤثرات البيئة ولا أفرادها مهما كانوا فسقا وفسادا.
إن الحب يشكل الحياة ويعيد صياغتها حين يشاء ربك إنه الحادي في مسالك الطريق ودروبه
إنه بوصلة الرؤية وسياج الحماية من الخلل والفتور والتراخي والتكاسل لطول الطريق وشواغل الحياة وعوارض الصعوبات.
لذلك يتجاوز الذين آمنوا كل العقبات التي تبدأ من الداخل من أعماق النفس ومن المحيط الشخصي والأسري والاجتماعي والسياسي العام.
يتجاوزون ذلك لأنهم كما وصفهم ربهم
(والذين آمنوا أشد حبا لله) …
إن حب الله هو القوة الدافعة للذين ( تتجافي جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون)
إنه الطاقة الربانية في كيان المجاهد ليجود بنفسه لله
وهو مشعل الهداية ومصباح الرؤية في قلب العالم الذي لا يكل ولا يمل
نعم إن حياة العالم مع التأليف والكتب والإفادة وحمل مشاعل النور إلى العالمين حتى الموت
وهذا ما عبر عنه أحمد بقوله مع المحبرة إلى المقبر’
وابن حزم في قوله:
يسير معي العلم حيث استقلت ركائبي
وينزل إذ ينزل ويدفن في قبري
إن النص القرآني السابق يهمس لكل واحد منا : إن ربك إذا حماك وتولاك فلا تقلق ولا تخف، عش بأمان معه سبحانه.
وإذا قذف في قلبك حبه وحب أوليائه وحب العمل الصالح كنت على أوثق عرى الإيمان.
إن الله سبحانه إذا أراد شيئا وفق العبد له وأرسل له من جنده ما لا يعلمه إلا هو
والتعلق والحب والشغف من هذه الجنود الربانية.
حينما يتسمر العالِم في مكتبته لا يشعر بالعالَم ولا يحس بالتعب ليخرج للعالمين نورا يضيء إلى يوم القيامة يهدي الحيارى ويمير الظمأى
ويكون معلما للضاعنين حلا وترحالا …
إنه حب يقذفه الله في قلب من يشاء وهو جندي من جنوده سبحانه يعين به من يشاء من خلقه
وهو توفيق من الله للعبد ليعيش في طاعته.
أ.د. فضل بن عبد الله مراد
