Dr.Fadil

ثلاثة عشر أصلا في التعامل مع الصحابة من القرآن

أ.د فضل مراد

0

ثلاثة عشر أصلا في التعامل مع الصحابة من القرآن:

أ.د. فضل بن عبد الله مراد

وفي المقال بحوث حديثية وعلله خفية ونقاشات علمية في ذلك ردا على تفسيق الشيعة للصحابة استدلالا بآية (إن جاءكم فاسق) وتحقيق أن الآية لم تنزل في الوليد بن عقبة وتعليل متونها وأسانيدها

وفي المقال: مناقشة العلامة الالباني في غفلته عن علل الاحاديث التي يحسنها بطرق بدون النظر إلى علل الاسناد أو المتن الدقيقة وبيان تقدم العلامة الوادعي في علم العلل عليه.

وفي المقال: نقل خلاصة ما حققه البرزنجي وحلاق في تاريخ الطبري ووقولهما ببطلان كافة ما رواه الطبري في تاريخه في مقتل الحسين

والاجابة على سؤال لماذا نقل الطبري هذه البواطيل:

فأقول:

قال سبحانه و تعالى: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ )

يؤخذ من هذا النص ما يلي:

الأصل الأول: جميع المهاجرين والأنصار هم المؤمنون حقا فمن كفرهم أو فسقهم فهو مكذب بخبر الله

الأصل الثاني: جميع هؤلاء بعضهم أولياء بعض، لقوله تعالى قبل هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ ‌بَعْضُهُمْ ‌أَوْلِياءُ ‌بَعْضٍ)

فكلهم أولياء بعض.

الأصل الثالث: جميع من آمن بعدهم وهاجر وجاهد معهم فهو من المهاجرين والأنصار في الحكم بالنص قال تعالى في الآية السابقة (فَأُولئِكَ مِنْكُمْ)

وهذا يفيد أنه منهم في كل ما ذكر لهم وهو أنهم المؤمنون حقا وأنهم أولياء بعض وأنهم صحابة لهم كل ما للصحابة.

الأصل الرابع: جميع من آمن بعد الفتح وقاتل وأنفق فهو من أهل الجنة فلا يوجد ما تسميهم بعض الفرق الضالة مسلمة الفتح الطلقاء غمزا فيهم وتنقصا، لأن الله سماهم مؤمنين وكتب لهم الجنة في قوله تعالى 🙁 وكل وعد الله الحسنى) قال تعالى: وقال سبحانه: ( لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [الحديد : 10]

ففي هذا النص أن الله يدخل الجنة جميع من آمن قبل الفتح وبعده من الصحابة

(وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ)

الأصل الخامس : بهذه الآيات القاطعة تبين أن الصحابة أولهم وآخرهم مهاجرهم وأنصاريهم ومن أسلم وتأخر إسلامه بعد ذلك وهاجر وجاهد معهم فهو من الصحابة في الاسم والفضل واستحقاق اسم الإيمان الحق واستحقاق الجنة والمغفرة واستحقاق الموالاة بدلالة النص (فَأُولئِكَ مِنْكُمْ)

الأصل السادس: من أخرج أحدا من الصحابة من الإيمان فهو مناقض لهذه النصوص مكذب لخبر الله الذي لا يتغير ولا يتبدل.

الأصل السابع: من حصر الولاية في أحد الصحابة أو طائفة دون غيرهم فهو مناقض لهذه النصوص وكل حديث ناقض هذا فلا يصح ومن حرف معاني الحديث ليوافق ضلالته فهو ضال.

الأصل الثامن: ليس في القرآن ولا في السنة مصطلح (موالاة المؤمنين) بمعنى السلطة والحكم أبدا.

فمن ادعى ذلك فهو كاذب علي القرآن والسنة ولسانهما.

الأصل التاسع: نتائج تخصيص الولاية لفرد أو فئة دون عموم الصحابة و المؤمنين وخيمة سماها الله في نفس الآية (فتنة في الأرض وفساد كبير)

وعليه :فمن لم يوال جميع الصحابة وجميع المؤمنين بلا استثناء فقد أخل بأصل عظيم

ويتحمل نتائج ذلك أمام الله لإخلاله بالأمن والاستقرار والسلام الاجتماعي والمجتمعي الداخلي والإقليمي.

وهو ما عبر النص عنه في نفس الآيات: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا ‌بَعْضُهُمْ ‌أَوْلِياءُ ‌بَعْضٍ إِلَاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ(73))

إنها الفتنة والفساد الكبير في الأرض إن لم نوال جميع المؤمنين من الصحابة جميعا ومن بعدهم من الذين اتبعوهم بإحسان، وهو ما عانت منه الأمة وتعاني إلى هذه اللحظة.

والفساد الكبير في الأرض أمر خطير جدا يتنوع بين الحروب الطائفية والأهلية وبين استغلال الكتل الكبرى الدولية لذلك فيعيثون فينا فسادا أرضا وإنسانا.

وهو ما لفت النص إليه لنتأمل العواقب والأخطار الداهمة القريبة.

الأصل العاشر: جميع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وجميع الذين أسلموا بعدهم كتب الله لهم الرضى والجنة يقول الله تعالى:

في قوله سبحانه وتعالى.

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة : 100]

وهذه الآية كذلك تفيد الأصل التالي وهو:

الأصل الحادي عشر: الواجب في حق الصحابة هو اتباعهم بإحسان ليكون الشخص مشمولا بقوله تعالى: (والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه)

ومن الاحسان لهم الترضية عليهم جميعا لأن الله ترضى عليهم ومن الاتباع بإحسان حبهم جميعا ومن اتباعهم بإحسان موالاتهم جميعا.

ومن اتباعهم بإحسان الاستغفار لهم.

قال تعالى في سورة الحشر :

( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ) .

فمن طعن في الصحابة فهو معاند لله في آياته هذه ومكذب لها.

والكلام في الصحابة كلام في أعرض وأعظم شيء أن تتكلم في الأعرض تشهيرا وقدحا وذما وتنقصا

فمن تنقص الصحابة فليس من التابعين بإحسان.

الأصل الثاني: عشر

وكل ما جاء في كتب التاريخ أو كتب الشيعة خاصة تناقض هذه الأصول فهي باطلة لذلك لا يصحح الحديث بالطرق في هذا الباب لأنه باب أصول ويجب فيه مرويات قاطعة أو مشهورة مستفيضة صحيحة تلقيت بالقبول

وكذلك يجب فيما صحح بالطرق أن ينظر إلى متنه هل نقض اصلا في القرآن أو السنة أو الاجماع فيكون بذلك منكرا

وسترى ما صنع إغفال هذا الأصل من كوارث ونقض للاصول المقررة

والتاريخ وحزاويه والحديث المصحح بالطرق لا يمكن أن يعارض به القرآن والاجماع وصحاح السنة

لأن القرآن لا ينسخ ولا يبطل حكمه بحزاوي وحكايات من التاريخ كيف إن كان رواها أبو مخنف أو الواقدي محمد عمر أو هشام الكلبي فهولاء كذابون ومتهمون بالكذب ومتروكون.

وبالمناسبة أفاد المحقق البرزنجي والمحقق حلاق في تحقيقهم لتاريخ الطبري أن جميع مرويات الطبري في مقتل الحسين في الجزء الخامس من صفحة 400 إلى صفحة 470 .

أغلبها مروي من طريق هؤلاء الثلاثة الكذابين

وبعضها من طرق كذابين ومتهمين ومناكير آخرين مثل:

هم الهيثم بن عدي كذاب

علي بن جعدبة متهم بالكذب

وإسحاق بن يحي بن طلحة متروك منكر الحديث

وعلي مجاهد الكابلي كذاب

محمد حميد الرازي ضعيف كثير المناكير

محمد السائب الكلبي متهم بالكذب

أبو بكر بن أبي سبرة رموه بالوضع كذاب

أبو بكر الهذلي متروك

وأفضل رواي مجهول. مثل زياد بن جيل ومحمد بن مخنف.

لماذا نقل الطبري هذا:

قلت: الطبري تبرأ من ذلك في أول كتابه فبين أنه وضع أمامك السند وعليك أن ترى الصحة أو الضعف حيث قال في المقدمة:

«تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري» (1/ 7):

« فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم انه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا»

الأصل الثالث عشر: جميع الصحابة: حبب الله إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان.

قال سبحانه وتعالى: «‌ولكن ‌الله ‌حبب ‌إليكم ‌الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون (7) فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم (8)»

فمن فسق الصحابة أو سبهم أو كفرهم فهو مكذب بهذا النص وبما سبق من النصوص

أما ما روي أن الآية (إن جاءكم فاسق )نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط فهذا كله لم يثبت من أي طريق صحيحة بل من طرق ضعاف.

فلا تثبت القصة قلت: وجميع طرقها لا تصح

ولكن الشيخ الألباني لف لها طرقا ضعيفة ليضعها في صحيحته.

وقد ساق ما في مسند أحمد

وقال في «سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها» (7/ 234):

«من طريق محمد بن سابق: ثنا عيسى ابن دينار به.

قلت: وهذا إسناد صحيح؛ رجاله كلهم ثقات مترجمون في “التهذيب “. ولذلك قال الحافظ ابن كثير في “التفسير”:

“إنه من أحسن طرق الحديث “. وقال السيوطي في “الدر المنثور” (6/87) :

“سنده جيد”.

وسكت الحافظ عنه في ترجمة (الحارث) من “الإصابة”.

وأما في ترجمة (الوليد بن عقبة) ؛ فإنه- بعد أن أخرج القصة من وجوه مرسلة- قال:

“أخرجها الطبراني موصولة عن الحارث بن أبي ضرار المصطلقي مطولة، وفي السند من لا يعرف “!

كذا قال رحمه الله! فإنه مع تقصيره في اقتصاره على الطبراني دون أحمد وغيره- ممن عزاه إليهم في الموضع الأول- فالطبراني قد رواه من ثلاثة طرق عن محمد بن سابق. فهل الجهالة التي أشار إليها هي في محمد بن سابق فمن فوقه – وهذا ما لا يتصور صدوره من الحافظ؛ بل ولا ممن دونه-، أم هي في الطرق الثلاث؟ وهذا كالذي قبله؛ فإنها لو كانت كلها مجهولة لم يجز إعلال الحديث بها لتضافرها، فكيف واثنان منها- على الأقل- صحيحان؟! فكيف وقد رواه أحمد عن محمد بن سابق مباشرة؟! لا شك أن ذلك صدر من الحافظ سهواً وغفلة. وكلنا ذاك الرجل: (ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) * » انتهى كلامه

أقول: وكلامه غير صحيح:

وفيه ما يلي:

أولا: قوله قلت: وهذا إسناد صحيح؛ رجاله كلهم ثقات مترجمون في “التهذيب “.

قلت تعالوا لنرى التراجم التي ذكرها وقال إنهم ثقات وعليه قال هذا إسناد صحيح.

1_ العلة الأولى في الحديث: دينار والد عيسى

قال ابن حجر: ‌دينار ‌الكوفي، والد عيسى، مولى: عمرو بن الحارث بن أبي ضرار .

روى عن: مولاه.

وعنه: ابنه.

ذكره ابن حبان في “الثقات

قلت: ومن هذا حاله فهو مجهول ولذلك قال ابن المديني لا نعرفه

وذكره الذهبي في الميزان وهو كتاب متخصص للمجروحين والمجاهيل ونحوهم. «ميزان الاعتدال» (2/ 31): «‌‌2695 – دينار [د، ت] عن مولاه عمرو بن الحارث المصطلقى.

وعنه ولده عيسى بن دينار فقط [والله أعلم]»

والحافظ كذلك قال مقبول

«تقريب التهذيب» (ص202):«1838- ‌دينار ‌الكوفي والد عيسى مقبول من الثالثة عخ د ت»

وتعقبه بشار والارناؤط في «تحرير تقريب التهذيب» (1/ 382) بقولهم :

«• بل: مجهول، تفرد بالرواية عنه ابنه عيسى بن دينار، ولم يوثقه سوى»

والصحيح هو ذلك وكان عليهما نقل كلام ابن المديني فأين ما قاله الالباني أن رواته ثقات

2_ العلة الثانية: عيسى بن دينار وهذا هو ابن للسابق

فهو مع كونه أقل من الوسط لكن هناك علة نبه عليها أبو حاتم

هي أن عيسى بن دينار عزيز الحديث يعني قليل جدا «تهذيب التهذيب» (4/ 429):

وهذا نقد مهم في علل الحديث حيث أن انفراد الراوي بحديث ولا يحتمل تفرده يعتبر مردودا.

وهذا معلوم عند أصحاب الحديث.

والرواية الثقة قليل الحديث إن فعل ذلك ردت روايته وهذا من علل المتن.

كيف وهذا الرجل ليس بثقة بل أقل من المتوسط.

3_ نقل الشيخ الالباني تحسين بن كثير ليعضد تصحيحه للاسناد

فقال: «سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها» (7/ 234):

«ولذلك قال الحافظ ابن كثير في “التفسير”:

“إنه من أحسن طرق الحديث “. وقال السيوطي في “الدر المنثور” (6/87) :

“سنده جيد”.

وسكت الحافظ عنه في ترجمة (الحارث) من “الإصابة”.» انتهى

أقول: أوهم الشيخ الالباني عليه سحائب الرحمة أن ابن كثير بهذا يحسن الحديث

وعبارة بن كثير وردت في سياق تمريض الروايات فقال: «تفسير ابن كثير – ط ابن الجوزي» (6/ 708):

«وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عُقبة بن أبي مُعيط، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلِق، وقد روي ذلك من طرق ومن أحسنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده من رواية ملك بني المصطلِق، وهو الحارث بن ضرار والد جويرية بنت الحارث أُم المؤمنين رضي الله عنها »

هذا نص كلامه فتأمل قوله وروي من طرق ومن أحسنها.

فهذه الصيغة التمريضية دقيقة من الحافظ بن كثير أما قوله من أحسنها فليس تحسينا

وهذه القاعدة يعرفها الشيخ الالباني وهي أن قولهم هذا أحسن ما في الباب لا يعد تحسينا

لأن الحديث قد يروى من طرق بعضها أضعف من بعض ثم يجد المحدث طريقا ضعيفه لكنها أحسن من غيرها.

فإذا كان هذه أحسن ما في الباب فكيف بالباقي الذي سنبينه قريبا.

4_ أما تعقبه للحافظ فالشيخ هو المتعقب والصحيح إعلال الحافظ للطرق بالجهالة

5_ ثم قوله فنزلت هل هو قول الصحابي أم قول مدرج لم يوضح قول من هو.

ثانيا: _ أما حديث ابن عباس الذي أخرجه الطبري فضعيف جدا مسلسل بالعوفيين

ثالثا: أما الحديث الآخر فهو من طريق يعقوب بن كاسب مختلف فيه كثيرا ومع هذا حسن الشيخ الألباني حديثه بقوله «سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها» (7/ 232):

«قلت: وهذا إسناد حسن؛» انتهى

أقول: وفيه علة خطيرة نبه عليها العقيلي عن أبي داود وهي من الجرح المفسر وسأبدأ بذكرها وهي أنه كان يغير الأحاديث عمدا قال الحافظ ابن حجر «تهذيب التهذيب» (14/ 856):

«وقال العُقَيْلِي، عن زكرياء بن يحيى الحَلْوَاني: رأيت أبا داود السِّجِسْتَاني قد جَعَل حديثَ يعقوب بن كاسب وِقَايات على ظُهُور كُتُبه، فسألته عنه، فقال: رأينا في “مسنده” أحاديثَ أنْكَرْنَاها، فطالبناه بالأُصول، فَدَافَعَنا، ثم أَخْرَجَها بعد، فوجدنا الأحَاديثَ في الأُصُول مُغَيَّرَةً بِخَطٍّ طَرِيٍّ؛ كانت مراسيلَ فأَسْنَدَها، وزاد فيها.»

وهذه العلة الجارحة المفسرة لم يتنبه لها الشيخ الالباني لأنه يعتمد على التقريب كثيرا

ولو لم تكن فيه إلا هذه لسقطت روايته.

رابعا: عند تصحيح الحديث يجب النظر في علل المتن كذلك وهذا من شروط التصحيح

ومن أهم علل المتن مخالفته لقواطع الشرع في القرآن والسنة.

ومعلوم أن عدالة الصحابة منصوص عليها كتابا وسنة بل وإجماعا

فكيف ينقض ذلك بلفلفة هذه الطرق الشنيعة

فإن الطرق التي تحسن الحديث يبقى النظر بعدها إلى معنى المتن فإن ناقض قواطع الشرع

علمنا أنه شاذ ومنكر.

كما أن القول بأن الآية نص في فسق الوليد بن عقبة يعتبر طعنا

في الخلفاء جميعا فقد ولاه أبو بكر وعمر وعثمان .

فهل كانوا يجهلون نص الآية على فسقه.

وهذا الرجل قد فتح بلاد المشرق فكيف ينص الله على فسقه ثم يثق به ثلاثة خلفاء.

فكان يكفي الالباني ذلك لكنه الخروج عن طرق المتقدمين من أهل الرواية جعله يصحح بأي

طريق ولو كان فيها قدح في الصحابة كحال لفلفته طرقا لحديث كلاب الحوأب

مع أن أربعة أئمة جبال قالوا أنه منكر وهم الرازيان والقطان وأقره ابن المديني.

وهذا من آفات الشيخ الألباني عليه رحمة الله.

وهو عدم النظر في متن الحديث هل يخالف مقطوعات الشرع ويخالف فعل الخلفاء وهل يؤدي إلى النقص من الصحابة.

وسأفرد عن الوليد بن عقبة مقالا مستقلا دفاعا عنه وبيان كيف كذب الشيعة في حقه واستغلوا ذلك في الطعن في الصحابة، وتفسيقهم متبعين لما تشابه منه تاركين محكمه

فيصدق فيهم قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ ‌مِنْهُ ‌آياتٌ ‌مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُولُوا الْأَلْبابِ (7)»

خامسا: تضعيف العلامة الالباني عليه سحائب الرحمة لقصة عقبة بن أبي معيط في قتله صبرا ثم تحسينها من طريق لم يتنبه لعلتها الاسنادية والمتنية

أقول:

ومن عجائب التصحيحات أن العلامة الألباني «إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل» (5/ 39):

«(حديث: ” أنه صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبى معيط ‌صبرا “.

* ضعيف. إلى أن جزم أن ليس للقصة أصل بقوله: وجملة القول إنى لم أجد لهذه القصة إسنادا تقوم به الحجة ، على شهرتها فى كتب السيرة ، وما كل ما يذكر فيها ، ويساق مساق المسلمات ، يكون على نهج أهل الحديث من الأمور الثابتات.

ثم صححها بطريق وجدها فقال :

نعم قد وجدت لقصة عقبة خاصة أصلا ، فيما رواه عمرو بن مرة عن إبراهيم ، قال: أراد الضحاك بن قيس ، أن يستعمل مسروقا ، فقال له عمارة ابن عقبة: أتستعمل رجلا من بقايا قتلة عثمان؟ ! فقال له مسروق: حدثنا عبد الله بن مسعود ـ وكان فى أنفسنا موثوق الحديث ـ أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل أبيك ، قال: من للصبية؟ قال النار ، فقد رضيت لك ما رضى لك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه أبو داود (2686) والبيهقى (9/65) من طريق عبد الله بن جعفر الرقى ، قال: أخبرنى عبد الله بن عمرو بن زيد بن أبى أنيسة عن عمرو بن مرة.

قلت: وهذا إسناد جيد ، رجاله ثقات كلهم رجال الشيخين. انتهى كلامه.

أقول: والشيخ الالباني غفل عن العلة الخفية التي في هذا السند

وقد تنبه لها العلامة اليماني شيخنا مقبل الوادعي «أحاديث معلة ظاهرها الصحة» (ص284):

«الحديث ظاهره الصحة إلا أن إبراهيم هو ابن يزيد النخعي كما في ترجمة عمرو بن مرة من “تهذيب الكمال” لم يسمع من أحد من الصحابة كما في “المراسيل لابن أبي حاتم، وعمارة بن عقبة بن أبي معيط صحابي كما في ترجمته من “الإصابة”.

والضحاك بن قيس أثبت البخاري صحبته كما في ” الإصابة” واختلفوا في صحة سماعه من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال الحافظ في “الإصابة” – أي في سماعه من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن أقل ما قيل في سنه عند موت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان ابن ثمان سنين. اهـ.» انتهى كلامه

أقول: وهناك علة أخرى وهو تفرد من لا يحتمل تفرده وهذا ما أشار إليها البزار

أقول: وفي “جامع المسانيد والسنن” لابن كثير (27/ 377 رقم 760) عزاه لأبي داود والبزار، ولفظ البزار فيه: “لما أتي بأبيك أمر بضرب عنقه”. وقال البزار: “لا يروى إلا بهذا الإسناد”.»وقد راجعت جامع المسانيد ولم أجده ونقلته من محقق النيل الشيخ حلاق

قلت: وهناك علة أخرى هي نكارة المتن فإن تعذيب الأطفال في النار مناقض لنصوص الشرع في التكليف وللأحاديث المصرحة بعدم تعذيبهم

فهذا متن منكر، وتفرد منكر مردود.

وعلل المتون لا يتنبه لها إلا الافذاذ من الذي جمعوا بين الفقه والحديث كالبخاري وأضرابه.

أما المتأخرون فيعرضون عن هذا ويكتفون بظاهر الاسانيد.

وهذه العلة المتنية تنبه لها العلامة اليماني الربوعي في فتح الغفار فقال بعد الحديث:

«فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار» (3/ 1728):

وعن ابن مسعود: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل عقبة بن أبي معيط، فقال: ‌من ‌للصبية؟ ‌قال: ‌النار» ، رواه أبو داود والدارقطني في الأفراد (3) ، وقال فيه: «النار لهم ولأبيهم» وسكت عنه أبو داود والمنذري، ورجال إسناده ثقات إلا علي بن الحسين الرقي قال في “التقريب”: صدوق، وقال ابن الجوزي في “جامع المسانيد”: لا يصح في تعذيب الأطفال حديث. انتهى.

أما قول ابن عبد البر في عدم خلاف يعلمه عن أهل التفسير في أن الآية نزلت في الوليد

قلت: قد علمه غيرك وذلك قال ابن كثير عن كثير ولم يقل بالاجماع«تفسير ابن كثير – ط ابن الجوزي» (6/ 708):

«وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عُقبة بن أبي مُعيط،»

ومعلوم أن ابن عبد البر لا يعتمد في نقل الاجماعات لأن مذهبه أن مخالفة القلة لا ينقض الاجماع فاعلم هذه القاعدة ولا تغتر بكثير من نقل الاجماعات

وقد حققت المقام في نقل الاجماع في خارطة النظر الفقهي بما لا يدع لمنصف ريبا في ذلك

وبين ابن العربي الخلاف في العواصم وحقق العلامة الخطيب القصة كاملة بتحقيق عظيم لا تجده في غيره فراجعه وبين ذلك ابن الوزير كذلك في العواصم أن القصة ليست محصورة على الوليد ورد على الشيعة في ذلك من أوجه كثيرة جدا تدل على تبحره وسعة علمه لله دره

«العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم» (2/ 178):

«ومن العجب أن السَّيِّد ذكر في تفسيره أن الفاسقَ هو الوليد بصيغة الجزم، ولم يذكر خلافاً في ذلك ذكره في ” تجريد الكشاف المزيد فيه النكت اللطاف ” ولم يُدخل معه المصرحين دعِ المتأولين فالله المستعان.»

ولله در العلامة بن عاشور فقد بين في تفسيره تعارض متن القصة وعدم صحة سندها فقال

«تفسير ابن عاشور التحرير والتنوير» (26/ 228):

فهذا تلخيص هذه الروايات وهي بأسانيد ليس منها شيء في «الصحيح» .

وقد روي أن سبب نزول هذه الآية قضيتان أخريان، وهذا أشهر. انتهى.

والحمد لله رب العالمين :

أ.د. فضل بن عبد الله مراد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.