جواز صيام يوم السبت منفردا إذا وافق عاشورا في المذاهب الأربعة ومناقشة علامة الحديث الألباني في انفراده عن الاجماع الصحيح للأمة في المسألة
أ.د فضل مراد
*جواز صيام يوم السبت منفردا إذا وافق عاشورا في المذاهب الأربعة ومناقشة علامة الحديث الألباني في انفراده عن الاجماع الصحيح للأمة في المسألة*:
*أ.د. فضل بن عبد الله مراد*
قررت هذه المسألة في مجلد فقه الصيام ومستجداته من موسوعة معالم الاجتهاد في فقه العصر
وأزيد هنا فأقول:
لم يرد حديث صحيح في النهي عن إفراد السبت، أما حديث: عبد الله بن بسر، عن أخته، أن رسول الله -ﷺ- قال: {لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض الله عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة، أو عود شجرة فليمضغه} أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن ومعنى كراهته في هذا: أن يخص الرجل يوم السبت بصيام؛ لأن اليهود تعظم يوم السبت .
أقول: العلماء مختلفون في صحته، وفي استمراره فمنهم من قال لا يصح رواية لإعلاله ولا دراية لمخالفته الصحاح الدالة على صوم السبت كحديث جويرية في البخاري: عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: {أن النبي -ﷺ- دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة، فقال: أصمت أمس، قالت: لا، قال: تريدين أن تصومين غدا، قالت: لا، قال: فأفطري} .
و حديث أبي هريرة في الصحيحين: قال: سمعت النبي -ﷺ- يقول: {لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله، أو بعده.} . ومنهم من قال منسوخ بأحاديث الصحاح.
ومنهم من قال صحيح ويحمل النهي على الإفراد فقط .
قال ابن الملقن: قال الترمذي: “حسن”،، وقال الحاكم: “صحيح على شرط الشيخين”.، وقال النسائي: “مضطرب”،، وقال أبو داود: “منسوخ”. قال: “وقال مالك: كذب”. قال النووي: “لا يقبل هذا منه فقد صححه الأئمة” .
ومنهم من جمع قال ابن القيم: “قالوا وإسناده صحيح ورواته غير مجروحين، ولا متهمين وذلك يوجب العمل به وسائر الأحاديث ليس فيها ما يعارضه؛ لأنها تدل على صومه مضافا فيحمل النهي على صومه مفردا كما ثبت في يوم الجمعة” .
قلت: الصحيح أنه مضطرب معل لا يصح.
ومن المقرر أن الراوي إذا لم يكن من الحفاظ المكثرين ثم اختلف عليه هذا الاختلاف الكثير فإنه لا يقبل هذا كما أنه لو انفرد برواية حديث دون الحفاظ مع أنه معارض للنصوص من جهة الدراية الفقهية
فهذا يعتبر حديثه مضطربا سندا شاذا متنا أو منكرا.
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (2/414 ط قرطبة).:
لكن هذا التلون في الحديث الواحد بالإسناد الواحد مع اتحاد المخرج، يوهن راويه وينبئ بقلة ضبطه، إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث، فلا يكون ذلك دالا على قلة ضبطه، وليس الأمر هنا كذا، بل اختلف فيه أيضا على الراوي عن عبد الله بن بسر أيضا انتهى.
وقال ابن القيم في حاشيتة على السنن (7/50): وقد طعن في هذا الحديث جماعة من الأئمة مالك بن أنس وبن شهاب الزهري والأوزاعي والنسائي فلا تغتر بتحسين الترمذي وتصحيح الحاكم وإن ثبت تحسينه فلا يعارض حديث جويرية بنت الحارث الذي اتفق عليه الشيخان.
وهو ما قرره شيخ الإسلام بل ونسبه للأكثر: قال المرداوي في «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف» (3/ 347 ت الفقي):
«واختار الشيخ تقي الدين: أنه لا يكره صيامه مفردا، وأنه قول أكثر العلماء، وأنه الذي فهمه الأثرم من روايته، وأن الحديث شاذ، أو منسوخ، وقال: هذه طريقة قدماء أصحاب الإمام أحمد الذين صحبوه كالأثرم، وأبي داود،» انتهى
وعلى جوازه مع الكراهة قرر ذلك معتمد المذاهب الأربعة لا على تحريمه
والذي ظهر لي بعد تتبع شديد لطرق الحديث أن النفس لا تطمئن لثبوته،، فهو معل بالاضطراب، فيبقى الأصل على الإباحة.
هذا من حيث الرواية، أما الدراية فهو نهي عام عن صيام السبت في التطوع، فشمل النهي عن ما ثبتت به النصوص من صوم الجمعة ويوما بعده وهو السبت، وعن صوم عاشوراء، وعرفة، وصوم يوم وفطر يوم وصيام البيض، وغيرها من التطوعات ولو وافقت يوم سبت.
وهذه المخالفة لهذه الصحاح الثابتة تدل على نكارة الحديث.
لهذا لم يذهب أحد من الأمة على العمل به والقول بتحريم صوم يوم السبت
وعلى هذا اتفقت كلمة الأمة إلى يومنا هذا فإن منهم من قال بنسخ الحديث، ومنهم بضعفه، ومنهم من قال على الكراهة.
ولم يقل أحد من أهل الإسلام أن صيام السبت في التطوع محرم.
وانفرد الشيخ الألباني بذلك، وقد نوقش كثيرا وقرأت له مناقشاته
وقد استعمل قاعدة عارض بها النصوص الظاهرة كالشمس
ويا لله العجب !!
فمتى كانت القواعد الفقهية تعارض النصوص البينة على أنه استعمل قاعدة خلافية وهذا أيضا من الخلل في النظر فجعل القاعدة الخلافية حاكمة على النصوص ومبطلة لها وهي كالشمس في رابعة النهار.
والقاعدة التي استعملها هي:
إذا تعارض حاضر على مبيح قدم الحاضر، فجعل حديث النهي حاضرا يقدم على كل النصوص في صوم التطوع.
وما علم الشيخ أن هذه القاعدة نفسها ليست نصا عن المعصوم بل هي خلافية، لأن الحاظر نص شرعي والمبيح كذلك، قال الغزالي: الخبر الحاظر لا يرجح على المبيح على ما ظنه قوم لأنهما حكمان شرعيان صدق الراوي فيهما على وتيرة واحدة انظر المستصفى (ص378).
وقال ابن تيمية: « يرجح الحاظر على المبيح عندنا نص عليه وبه قال الكرخي والرازى من الحنفية وابن برهان من الشافعية وقال عيسى بن أبان وأبو هاشم لا يرجح بذلك وعن الشافعية كالمذهبين وذكر يوسف بن الجوزى هل يقدم أحد النصين على الآخر بموافقة دليل الحظر أو موافقة دليل الاباحة بذلك على ثلاثة أوجه» .
والحاصل أن الشيخ خالف الأمة في هذه الفتوى وخالف الإجماع المنقول، وخالف نصوص الصحيحين، قاضيا عليها بقاعدة خلافية والقضاء على النصوص بالقواعد باطل لا شك فيه ولذلك شنعوا على الحنفية تقديمهم قاعدة الضمان على حديث المصراة وهذه المسألة بسطناها في كتابنا فقه الصيام ومستجداته مجلد مطبوع وكتاب خارطة النظر الفقهي (3 مجلدات أو أكثر تنزل قريبا إلى المكتبات إن شاء الله) من موسوعة معالم الاجتهاد في فقه العصر أتم الله علينا فضله بتمامها.
*أ.د. فضل بن عبد الله مراد*.