Dr.Fadil

المقامة اليمانية للعالم المفسر المقرئ الأديب – د. عامر الخميسي

د. عامر الخميسي

0

المقامة اليمانية للعالم المفسر المقرئ الأديب د. عامر الخميسي.

بعد أن أرسلت له كتاب خارطة النظر الفقهي للنظر فيه وتدقيقه
قبل إرساله للطباعة قريبا إن شاء الله

بسم الله الرحمن الرحيم

نفح الزهر .. من خارطة النظر

________

ألقي إليّ كتابٌ كريم فعكفتُ عليه ليال ثمان أغوص في بحوره وأتأمل في سطوره فألفيته موسوعة رائقة، ولوحة في الحسن فائقة، كيف لا ومؤلفه فقيه أهل اليمن وأصوليهم النظار العلامة الدكتور فضل مراد صاحب الهمة العالية، والعلوم السامية، منَ سجاياه كالرياض النواضر، وتحقيقاته كالبدور الزواهر، فارس ميدان اليراع، وسمير الموسوعات بالفحص والتنقيب والاِطلاع، فخر أهل اليمن، وتاجٌ من تيجان علماء هذا الزمن.
وهذا الدرّ الثمين ثورة تأصيلية لأهل الفقه، ونهضة فكرية لذوي الاجتهاد، وخُطة محكمة للنُظار، لقد غدا حقا وحقيقة خارطة للنظر الفقهي تأصيلا وتنزيلا، واستنباطا وتدليلا، لما فيه من الكشف عن أستار كثير من الحقائق، والغرف من نبع عيون عظيم الدقائق، فهو كتاب إن طالعتَه رأيت لوائح النظر الأصولي الدقيق عليه لائحة، وروائح التطبيقات المُهمة منه نافحة، وكنتُ به سعيدا حينما بعثتَ به إليّ فألفيته كنزا من الكنوز العلية، وفتحا من الفتوح الجليّة، فيه من عيون المسائل ما يجعله في طراز كتب الأوائل، فلسان شمائله يخطب على منبر فضائله، فحُق أن تبتهج به وجوه المعالي، وتبتسم له ثغور اللآلئ، فهو البحر العذب الطامي، والغيث المُنصب الهامي، فكم فيه من إطلالات بديعة وتقاسيم رفيعة، ورسائل لا تُبارَى، واجتهادات لا تُجارَى، يحل من المجتهد محل الزلال من الصادي، والصدر من النادي.
وقد لازم مُحبّره الجد والاجتهاد إلى أن ترقَّى في درجات الفضل والإسعاد، فكتب التآليف العديدة، وحبّر المصنفات الفريدة، فأبدعَ فيما أبدى، وطرّز من نسيج اجتهاده للفقهاء والأصوليين حُلة ذهبية وبُردا، وقد قلتُ في وصفه فما وفّيتُ ولا اشتَفيت:

أكرمْ بِسِفرٍ مُشرقٍ وضّاحِ
كالغيثِ أو سيلٍ هما ببطاحِ

بلغَ المُرادَ بهِ مُحَبّرهُ فكم
نَثَر الورودَ به وزَهرَ أقَاحِ

نَظرُ الفقيه إذا تقرّرَ هاهنا
يبدو جَليّا كالصّباحِ الصّاحي

فهو الخريطة للفقيه يسيرُ في
أفيائها وكَمِعصمٍ للرّاحِ

نبعٌ زلالٌ قد صفا من سلسلٍ
من فيضِ ربٍّ مُنعمٍ فتّاحِ

فأنِخْ مطيّك في حِماهُ تجُزْ بهِ
دربا عظيما هانِئا بِنجاحِ

لمّا فتَحتُ مطالِعا صفحاتهِ
فاحَ الشّذا من عِطره الفوّاحِ

فغدوتُ جذلانا أهيمُ بُسعدهِ
فكأنّني في نَشوةٍ من راحِ

كررّته فغدوتُ مسرورا لِمَا
شاهدتُ من فيضِ العلا السّحّاحِ

شاهدتُ نورا في السطور قد انجلَى
كضياءِ فجرٍ أو كمثلِ صباحِ

مُتهلّلا لمّا نزلتُ بروضهِ
فكأنّني متزيّنٌ بوِشاحِ

منهُ اقتبستُ ضياءَ نورٍ ساطعٍ
وغَرفتُ من بَحرِ النّدى المُنداحِ

هو مَعْلَمٌ للباحثينَ ومهيَعٌ
للسائرينَ يمدّهم بجَنَاحِ

وعليه أسئلة تدور كأنها
شيخٌ يُطلّ بِمِقْوَلٍ مِفصاحِ

إنه سِفر مبارك لا عجب أن يكون مقره من العين السواد، ومحله من القلب حبة الفؤاد، ولقد كان من دواعي الغبطة والسرور ومن جمال اللذة والحبور تصفحي له ووقوفي عند كل سطر فيه، ولقد وجدت العذوبة تحلّ في غلائله، والبهاء يبدو من شمائله، وقد تفضلّ الله على كاتبه باكتساب العلوم وإحراز الفهوم مجتهدا في الطلب والتحصيل ملازما لأهل العلم ملازمة المدلول للدليل إلى أن أتقنَ كل علم بديع، وفن رفيع فكانَ كما قال الشاعر:

همامٌ قد علَى في الورى قدرهُ
إلى غايةٍ جلّ أن توصفا

فتى قد تأثّل من دوحةٍ
سمَت في سما المجدِ والاصطِفا

ثم كانت النتيجة هذه التحريرات الفكرية الفقهية الأصولية السامية، وهذه الأبحاث الجليلة القدر العالية، فهو روضة فضلٍ أشرقت أنوارها، ودوحةُ علم أينعت ثمارها، نزهة الأبصار، وزينة البصائر، وتحبير الأكابر، بحرٌ إن سارت فيه سفن الأذهان لا تبلغ قراره، ومحيط إن سبَحَت فيه أفكار النُّظار لا تقاوم تيّاره، وما سار فيه أحد فيه بجواده إلا ارتفع له الشأن، ويقال لمن سأل عن الحقيقة ليس الخبر كالعيان.

إنِ ارتداه الأصولي ارتدَى من المكارم حُللا، وحظيَ من المحامد جُمَلا، فمحيّاه كالزهر بشاشة وألقَا، وجمالا ورونقا، طلعته تشبه طلعة البدر المشرق، ونفحته تحاكي نفحة الروض المورق، مناقبه حميدة، وآثاره عديدة، وفضائله باهرة، وسيرته زاخرة، أزاهر خرائطه بقطر الحسن ممطورة، وفنون تقاسيمه وتنزيلاته بجمال اللطائف معمورة، يملأ العيون نضرة وجذلا، ويهدي القلوب طربا متّصلا، قدره منيف، وظله وريف، وسحابه وكيف، ولقد عشت معه ليالي فكأنها الروض المريع، والزهر البديع، وقد وجدت عليه من النور ما هو أبهى من لوامع النجوم، وأجمل من الزهر الرائق المنظوم، وأحلى من شراب الرحيق المختوم، فجعلتُ أنادي:

هذا العقيق وذي ربا أزهارهِ
فانشَق عبيرَ خزامه وعَرارِه

وأنخ مطيّك في حِماه فإنّهُ
حمد السّرى يهنيك طيب قرارهِ

كتابٌ يطوّق الفقيه والمجتهد بأطواق تأصيلية أبهى من أطواق الحمائم، وينفح عليه إن طالعه نفحا ألطف من عبير النسائم، ومن رآه حسبه التبر المسبوك، والزبرجد المحبوك، له سمو تود النجوم الثوابت الوصول إلى علاه، ونور يود البدرُ المنير الوصول إلى سناه،

فيه نشرٌ لبرود التحرير، وإظهارٌ لشموس التقرير، منهجٌ من الإمداد، وفتحٌ من الإسعاد، يُشم أرج التدقيق وقوة النظر في أنفاسه، ويُشام برق التحقيق في أدلته واستنباطاته وقياسه، وفيه من الفوائد ما على رسوخ القدم العلمي شاهد.
مفتاح إيضاحٍ لمعنى مرتجٍ
مصباح مفتقرٍ إلى الإمداد

ولقد سلكتَ من البحوث سَباسِبا
وملاجِئا أعيَت على الرّوادِ

أعذب من الماء الزلال، وألذ من الوصال بعد الدلال، عِلمٌ وضاح، وروضٌ فوّاح، عظيمُ الحجة، زاخرُ اللجة، طلعَ في جبهة الفقه غُرة، وسيغدو بفتح الله للفقهاء مسرّة، أحييتَ به العِلم اليماني لدى المحدث عبدالرزاق الصنعاني، وجددتَ به الاجتهاد الكبير عند ابن الوزير وابن الأمير، وكنتَ به مثالا على التجديد الفقهي عند شيخ الإسلام الشوكاني، ومفتي الديار العمراني، فلقد مشيتَ في معاهدهم، وانتظمتَ في مدارجهم، وذكّرتنا بعلومهم الشريفة، وبحبوحتهم المنيفة.

يَدلف بك الكتاب إلى عالم الأسئلة السبعة أولها من هو العالم حقا وشروطه وتخصصاته وفيه تجد الوصف اللطيف والتعريف الحصيف، وثانيها: سؤال التصور وهو بناء المعرفة التامة لكل مسألة حتى تفض النزاع ويكتمل النظر والاطلاع، ثم سؤال الثبوت وهو خاص بالحديث ويلحق به دعاوى الإجماع إذ كم زلت فيه من أقدام وهوى فيه من أعلام، والسؤال الرابع سؤال الدلالة والمراحل السبع المهارية التي يلزم الناظر أن يتقنها لبناء الفقه وملكاته الاستنباطية، والمتغيرات الأربعة والمؤثرات الواقعية الستة التي تؤثر في الفتوى وتنزيلها.

والسؤال الخامس: سؤال الموازنات وفيه تجد التعارض والجمع والمراحل السبع للتعامل مع التعارض، وسيجد الباحث المؤثرات السبعة الحاكمة للمعاملات المالية، وتفعيل دوائر الإنتاج الثلاث من خلال إيضاح الدليل وحسن التنزيل.

والسؤال السادس الخارطة التنزيلية ومحدداتها وعددها أحد عشر محددا حاكما لفقه تنزيل النصوص على الواقع من خلال منهجيات الفقهاء النجباء، ومن تجربة طويلة في النظر في المسائل المتقدمة والمعاصرة وهي ضرورية لا يستغني عنها ناظر فقيه مجتهد مشتغل بالإفتاء وهي حاكمة على الفقه ما تقدم منه، وما تأخر، وما عاصر، من خلال معرفة ركني الفتوى وهما الإحاطة بالأصول الاستدلالية الحاكمة للمسألة.
وبظروف الفتوى وخارطتها الواقعية، وسيرى القارئ أن هذه الأبعاد تتقاطع فيها العلوم المتعددة التجريبية والمقاصدية والقواعدية والأصولية، فهذه القوانين الكبرى في العلوم تجتمع كلها لتشكيل فقه واقع المسألة.
والسؤال السابع سؤال إنتاج الحكم فبَعد رحلة أسئلة خارطة النظر الفقهي التي بدأت بالتصور، ثم الثبوت، ثم الدلالة، ثم الموازنات، ثم التنزيل يصل الناظر إلى تمام رحلة الإنتاج وهي الحُكم، وفيه تحدث عن المراتب الأربع التي بنيت عليها الشريعة، والفقه الجمهوري الجماعي، والنوازل المعاصرة والفردية والترجيح قبل إنتاج الحكم وانقسام المحرمات بدلائل البينات، وبحث لطيف منيف في الكبائر، ودلالات الحرمة وبيان الآية الجامعة للمحرمات في الشريعة، وتطبيقها على الكليات الخمس وعلى أبواب الشريعة في تحقيقات بديعة، وختم بشواذ المسائل، وبهذا أقام الدلائل، ولاحَ ضوءُ التوضيح عن برقِ هذا السّفر، واكتملت اليواقيتُ منظومة في عِقد هذا الدّر.

جعل الله هذه الموسوعة الرائقة والخطة الفائقة سميرا لأهل الاجتهاد، ودليلا لأصحاب النظر الوقّاد، ونفع بها عموم العباد، وجعلها أثرا جميلا لك إلى يوم المعاد، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

د. عامر الخميسي
٢٨ جماد الآخرة ١٤٤٥ه
٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤م

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.