Dr.Fadil

قصص مدهشة من صبر العلماء. من الطنطاوي السوري إلى فضل مراد اليماني

محمد مصطفى العمراني

0

من الموافقات المدهشة العجيبة أنني كنت اليوم أقرأ في كتاب ” من حديث النفس” لأديب الفقهاء وفقيه الأدباء الشيخ علي الطنطاوي، وفيه يروي قصصا ولمحات من سيرته، ومن طفولته البائسة حيث عاش مع إخوانه في فقر وحرمان ومع هذا كافح وصبر حتى صار علم الأعلام.

كنت أقرأ للشيخ الطنطاوي رحمة الله تغشاه ثم وضعت الكتاب وفتحت الفيسبوك على ما كتبه العلامة اليماني الدكتور فضل عبدالله مراد الأمين العام المساعد لاتحاد علماء المسلمين وأستاذ الشريعة وصاحب مشروع فقه العصر وهو يروي ملامح من سيرته في قصص تشبه ما رواه الشيخ الطنطاوي، ومع هذا صبر الشيخ فضل مراد وكافح حتى صار شوكاني اليمن والعالم الإسلامي، وحتى صار من العلماء الأعلام الذين يشار إليهم بالبنان.

ومن المجتهدين الكبار الذين يجتهدون للأمة في النوازل، من العارفين بعصرهم فهو لا يدع نازلة الا ووضح حكم الشرع فيها.

 

سأبدأ برواية بعض ما ذكره الشيخ علي الطنطاوي ثم سأورد ما كتبه العلامة الدكتور فضل مراد.

 

يقول الشيخ الطنطاوي: ( في يوم أيام 1925م توفي الوالد فارتفع السّتر، فإذا التركة ديون للناس؛ فبعنا أثاث الدار كله لنوفي الدَّين، ثم تركنا الدار الفسيحة في الصالحية ونزلنا تحت الرصاص (وكانت أيام الثورة) نفتّش عن دار نستأجرها، فوجدنا داراً … أعني كوخاً، زريبةَ بهائم، مخزنَ تبن … في حارة الديمجيّة. هل سمعتم بها؟ في آخر العُقَيْبة، قرب المكان الذي يسميه الناس من التوائه وضيقه «محلّ مَا ضيَّع القردُ ابنَه». هذا هو اسمه، صدّقوني.

 

في غرفتين من اللبِن والطين، في ظل دار عالية لأحد موسري الحارة تحجب عن الغرفتين الشمسَ والضياء، فلا تراهما -قط- الشمسُ ولا يستطيع أن يدخلهما الضوءُ، ليس فيهما ماء إلاّ ماء ساقية وسخة عرضها شبران وعمقها أصبعان، تمشي مكشوفةً من «تورا» في الصالحية إلى هذه الحارة، تتلقّى في هذا الطريق الطويل كلّ ما يُلقى فيها من الخيرات الحسان! وليس فيها نور إلا نور مصباح كاز، نمرة ثلاثة … يضيء تارة وينطفئ تارات … والسقف من خشب عليه طين، إن مشت عليه هرة ارتجّ واضطرب، وإن نزلت عليه قطرة مطر وَكَفَ و «سرَّبَ».

 

وهنالك على أربعة فرش مبسوطات على الأرض متجاورات، ما تحتهنّ سرير، تغطيهن البسط والجلود، كنا ننام نحن الأولاد الذين رُبّوا في النعيم وغُذّوا بلبان الدلال، تسهر عليهم أم حملت ما لم تحمله أم، تدرأ عنهم سيل البقّ الذي يغطي الجدران، وأسراب البعوض التي تملأ الغرفة، والماء الذي ينزل من السقف.

 

تظل أمي طيلة الليلَ كله ساهرةً تطفئ بدمع العين حرق القلب، تذكر ما كانت فيه وما صارت إليه، والأقرباء الموسرين الذين لم يكونوا يخرجون من دار الوالد، كيف تخلوا عن الأولاد وأنكروهم، حتى جاؤوا يوماً يزورون جار الدار الموسِر يهنئونه بالعيد ولم يطرقوا -والله- عليهم الباب؟ ولم يُعِنْها أحد، ولم يسعفها إلاّ أخ لها في مصر أمدّها بجنيهات مصرية قليلة لم يكن يطيق أكثر منها).

هذا الجو أقبلت وإخوتي على الدرس والتحصيل. وكانت أطراف البلد للثوار، ليس للفرنسيين إلاّ وسط المدينة. فكنا نمر على الموت في طريقنا إلى المدرسة كل يوم، نخترق جبهة الحرب (الاستحكامات) القائمة أمام جامع التوبة، وصبرنا ووثقنا بالله، وأعاننا الله ووفّقنا حتى صرنا … ما صرنا الآن؟

 

صار أخي الثاني قاضياً، وصار أديباً شاعراً مصنّفاً، والثالث أستاذاً كبيراً في الجامعة وأولَ من حمل لقب دكتور في الرياضيات في سورية، والرابع مدرّساً موفقاً وداعية وأديباً. أما الولد الأكبر فهو أنا.).

 

ويقول العلامة الدكتور فضل مراد: ( بعد استشهاد الوالد عليه رحمة الله في أيام التخريب عام 1980م. انتقلنا إلى الحديدة وأنا في الخامسة تقريبا

وهناك دزست الابتدائية وبدأت رحلتي العلمية من هناك القرآن والآجرومية وسفينة النجاة في فقه الشافعية ثم متن أبو شجاع وأنا في الأول الابتدائي.

ثم انتقلت صنعاء مدة عام أو نصفه فقط وأنا في سبع سنين كنت أبيع صحيفة ” الثورة ” صباحا لأعول والدتي ونفسي وأخي وأدرس الابتدائي في مدرسة عمر المختار عصرا.

أغدو بعد الفجر متجها الى كشك شعوب لأشتريها ولا زالت رائحتها الزكية في ذاكرتي إلى الآن، أحتضن الرزمة ثم أبيعها في خط سير منتظم ينتهي بالتحرير.

تكون الكمية قدانتهت قبل الظهر الساعة 11 غالبا أشتري 20 صحيفة بعشرة ريال الواحدة بنصف ريال.

ثم أنادي: الثورة الثورة الثورة أخبار اليوم.

وكانت الكمية تباع بعشرين ريال ننفق نصفها ونصفها نحتفظ به.

والأحداث كثيرة وفي عام 1989م.

انتقلت إلى مأرب التي عشت فيها عام 1989م. ملتحقا بالقوات المسلحة نظاميا في اللواء الأول مشاة في صحن الجن.

وقد منحت لي رتبة رقيب.(بشهادة سادس حسب القانون حينها) وكنت في الثاني الاعدادي، وعينت خطيبا للمعسكر في التوجيه المعنوي لما رأى القادة الخطبة المؤثرة التي القيتها في أول جمعة في المعسكر، وكان مقررا أن يبتعثني للدراسة في الأزهر الشريف.

 

وحصلت لي مواقف وقصص في تلك المسيرة، أحداث وأحداث منها خطبة ذكرت فيها معاوية وقلت: رضي الله عنه، ولم أكن أعلم بالعمق الطائفي عند قائد المعسكر فحولت إلى الزنزانة فاجتمع ضباط ريمة وعموم الأصدقاء من الضباطمن مختلف بلاد اليمن وكانوا قادة في المدفعية والمشاة وغير ذلك، وبعثوا تحذيرا لقائد المعسكر مضمونه: إن حبست الشيخ فلن تبقى في المعسكر.

الأحداث تفصيلا أطلعت عليها فيما بعد، ومن صحن الجن من صحراء مأرب كانت الانطلاقة التي غيرت مسيرتي.

سأدونها في مسيرة حياة إن شاء الله في كتاب ( سيرة ومسيرة) سأقدم فيها لطلاب العلم والعلماء والكتاب والمهتمين خلاصة تجربة). انتهى حديث العلامة فضل مراد.

 

أقول: ومن قرأ سير العلماء والأعلام وخاصة العلماء وجد أن أغلبهم قد عاشوا طفولة بائسة وحياة قاسية ولكنهم صبروا وكافحوا وتعلموا وسهروا حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه.

ففي النهاية ذاقوا ثمرة صبرهم، وفتح الله عليهم أبواب الرزق ووسع عليهم، وصاروا ما صاروا إليه من المجد والعز وقيادة الأمة وريادتها.

 

محمد مصطفى العمراني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.