Dr.Fadil

وقفة نقدية في مسألة زكاة الثروة الزراعية – المجلس الثاني: الرد على ابن حزم

أ.د فضل مراد

0

وقفة نقدية في مسألة زكاة الثروة الزراعية

المجلس الثاني: الرد على ابن حزم

وانظر إلى ابن حزم حيث زعم أن الزكاة في الثروة الزراعية لا تكون إلا في ثلاثة: « القمح، والشعير، والتمر».
فقال :«ولا تجب الزكاة إلا في ثمانية أصناف من الأموال فقط وهي: الذهب، والفضة، والقمح، والشعير، والتمر، والإبل، والبقر، والغنم ضأنها وماعزها فقط»«المحلى بالآثار» (4/ 12):

أدلة ابن حزم على حصر الزكاة ومناقشتها
1- النص والإجماع المتيقن على هذه الأصناف
2- تأويله لحديث ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة بأن دون معناها غير
3- الإحتمال والخلاف في دلالة الأدلة اختلافا لا يبقى معها حجة في ذلك.
4- إبطال كل المذهب ونقدها وهو ما سنخصص له الكلام فيما بعد.

والجواب على قوله ذلك:

أولا: أن هذه المنصوصات المجمع عليها لا تدل على نفي ما عداها لا بدلالة لغة ولا شرع منقول ولا معقول ولا بمطابقة ولا تضمن ولا التزام.
ثانيا: تأويله للفظة دون في الحديث أنها بمعنى غير التي تنفي ما عدها وهذا متعقب أن دلالة السياق تدل على أن المعنى دون أي أقل؛ لأنه مسوق لنفي إيجاب الزكاة مما دون خمسة أوسق، كما أنه لو سلم أنها بمعنى غير، فإنها متوجهة ومسلطة على العدد أي غير خمسة أوسق، ولا تتجه إلى الأصناف فتكون معناها ليس في غير الخمسة أوسق صدقة أي أقل؛ لأن غير لو حملت هنا على ظاهرها لأبطلت الزكاة فيما زاد على الخمسة؛ لأن الزيادة تنفيها غير، وتخصيصه ذلك بالحبوب والتمر مع أن الرواية المطلقة أصح لو سلمناها فهي تعود على قوله بالابطال ، لأنه اختار هذه لينفي الزكاة فيما عدا هذه فأخطأ ، لأن المعنى لا زكاة في غير خمسة أوسق من الحبوب والتمر؛ أي لا زكاة في أي عدد غير الخمسة من هذه النوع لا في غيره أما غيره فمطلق يؤخذ من حديث العموم فيما سقت السماء
فوقع فيما فر منه.
فيبطل كلامه ومذهبه.

ثالثا: زعم أن الخلاف في كون آية سورة الأنعام
«وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَ جَنَّٰتٖ مَّعۡرُوشَٰتٖ وَغَيۡرَ مَعۡرُوشَٰتٖ وَٱلنَّخۡلَ وَٱلزَّرۡعَ مُخۡتَلِفًا أُكُلُهُۥ وَٱلزَّيۡتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهٗا وَغَيۡرَ مُتَشَٰبِهٖۚ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَءَاتُواْ ‌حَقَّهُۥ يَوۡمَ حَصَادِهِۦۖ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ».
زعم أنها مكية وحينئذ فليست في الزكاة بل صدقة واجبة ثم نقل ذلك عن جماعة ..

والجواب أنها لو كانت مكية فما المانع أن يوجب الشرع الزكاة ثم يفصلها، وقد قدمنا لك أن الزكوات وردت في آيات مكية صريحة لا خلاف فيها
كقوله تعالى: «الٓمٓ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ ٢ هُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّلۡمُحۡسِنِينَ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ‌ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ» «فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ‌ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗاۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٗا وَأَعۡظَمَ أَجۡرٗاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمُۢ».

«وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن رِّبٗا لِّيَرۡبُوَاْ فِيٓ أَمۡوَٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا يَرۡبُواْ عِندَ ٱللَّهِۖ وَمَآ ءَاتَيۡتُم مِّن ‌زَكَوٰةٖ تُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُضۡعِفُونَ»

فالراجح أن الزكاة فرضت أصلا بمكة بدلالة هذه النصوص وإنما فصلت بالمدينة فالآية مكية أومدنية لا يستفيد من ذلك أبو محمد في استدلاله شيئا، وأما زعمه «أن وآتوا حقه يوم حصاده» يبطل كونه في الزكاة، لأنها لا تؤتى يوم الزكاة فجوابه أن التكليف بالاستطاعة فالواجب أوله يوم الحصاد ويتوالى بحسب الاستطاعة ، وأما في عصرنا فلا إشكال أبدا لأن يوم الحصاد يمكن فيه إخراج الزكاة فلا دياس ولا جرين بل تفصله الآلات الحديثة في يوم حصاده وحينئذ تتنزل ظاهر الآية على ذلك فلا متمسك له بهذا.

د. فضل بن عبدالله مراد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.