وقفة نقدية في مسألة زكاة الثروة الزراعية – المجلس الثالث : الرد على الصنعاني والمقبلي والشوكاني
أ.د فضل مراد
وقفة نقدية في مسألة زكاة الثروة الزراعية
المجلس الثالث : الرد على الصنعاني والمقبلي والشوكاني
وما ذهب إليه ابن حزم جمح إليه ابن الأمير والمقبلي والشوكاني فذهبوا إلى العمل بحديث الحصر وهو:
«الشَّعِيرُ وَالْحِنْطَةُ وَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ»
قلت: هذا الحديث أخرجه «مسند أحمد» (36/ 314 ط الرسالة):
«حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن عمرو بن عثمان يعني ابن موهب، عن موسى بن طلحة، قال: عندنا كتاب معاذ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” أنه إنما أخذ الصدقة من الحنطة والشعير والزبيب والتمر ” (1)»
وهو صحيح متصل؛ لأنه وجادة وموسى بن طلحة لم يلق معاذا، ولكنه ليس دليلا على الحصر؛ لأنه حكاية عن فعل رسول الله أنه إنما أخذ من كذا
وهذا يدل على الأخذ من هذه الأربع لا حصر الأخذ فيها
إلا إن ورد نهي صريح صحيح عن نفي ما عداها وليس في ذلك شيء إلا معلول بالوقف على معاذ، أما لفظ عن أبي موسى ومعاذ بن جبل حين بعثهما رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم: “لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة الشعير والحنطة والزبيب والتمر”
فهو عند الدارقطني وغيره لكنه ضعيف فيه طلحة بن يحي قال البخاري منكر الحديث
فكيف يصح؟!
قال النووي في «شرح المهذب» : وهذا موقوف لا نعلم اشتهاره فلا يحتج به على الصحيح
قلت: أما ما «قال البيهقي في خلافياته: رواته ثقات هو متصل2» فهو تساهل بين مخالف لما قرره الأئمة كالبخاري وغيره ، وقد اغتر به الصنعاني، والشوكاني، والمقبلي فقررا على وفقه عدم الزكاة في غير هذه الأربعة، وأورد الشيخ الألباني هذه الطريق وكلام بن دقيق العيد في عدم الصراحة في الرفع، وأورد له شاهدا مرسلا في الرفع هو : «قال: سمعت موسى بن طلحة يقول: ” أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن أن يأخذ الصدقة من الحنطة والشعير والنخل , والعنب “.
وهذا سند صحيح مرسل»
قلت: يشهد لأصل الحديث نعم
لكن يبقى الاعلال في المتن؛ لأن الفقيه حينما يعرض عليه هذا المتن لا يفيد منه الحصر، والأول يفيد الحصر وهو معل
فهنا يظهر فقه الفقيه من فقه المحدث ..
وقد هدم الصنعاني، والشوكاني بهذا الحديث أكثر باب الزكاة لهذا الحديث المعل المختلف في ألفاظه ولو سلم ثبوت أصل متنه فهذا لا يفيد الفقيه. لاختلاف هذه الألفاظ في محل الاستدلال منه وهو الحصر … في الأربعة بلفظ الحصر الصريح.
أما حديث «ليس في الخضروات زكاة» فضعيف من جميع طرقه، وأما أن عمر لم يكن يأخذ من الفواكه في الطائف وهي أضعاف الحبوب فهو مرسل وفيه مجهول هو عبد الله بن نجيح جد علي بن المديني شيعي قال الحافظ: مقبول كما هي عادته في من ذكره ابن حبان من المجاهيل في هذه الطبقة، ومعناه حيث يتابع فهذا مرسل ضعيف،
والحاصل أني تتبعت طرقه وألفاظه في المسانيد والسنن والزوائد وكتب التخريج فتبين لي أن جميع ما جاء من الآثار في الباب شديدة الضعف، وما احتمل قوته في الأسانيد
فتارة يحصرها من أمر النبي-عليه الصلاة والسلام- وتارة من فعله، وتارة من فعل معاذ وأبي موسى
وهذا الاختلاف ضار في الاستدلال.
والحاصل أن الصحيح هو أن يعمل بحديث فيما سقت السماء في كل ما سقته السماء مما يتخذه الآدميون ، وإنما حصر بذلك؛ لأن غيره مشترك بين الناس ملكا وانتفاعا
لذلك في الحديث الناس شركاء في ثلاثة الكلأ والنار والماء
ويحمل حديث الموسق على ما يمكن كيله ووزنه من كل شيء .
وبالله التوفيق وهذا قريب من مذهب أبي حنيفة النعمان وقد قال فيه ابن العربي: فأما أبو حنيفة فجعل الآية مرآته فأبصر الحقَّ فأوجبها في كلِّ ما أخرجت الأرض مأكولا أو غير مأكول
وهو مذهب داوود .
العلامة د. فضل مراد
أمين لجنة الفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين