Dr.Fadil

لمن يريد أن يكون فقيها “فائدة خاصة يُرحل إليها”   

د. عامر الخميسي

0

لمن يريد أن يكون فقيها

“فائدة خاصة يُرحل إليها”

 

كنتُ قبل ثلاثة أيام في حديث مع الأستاذ الدكتور العلامة

فضل عبدالله مراد وقد نثر عليّ معلومات من فتوح الله عليه، فلمّا استأذنته في نشرها امتنع ولم يسمح لي وأخبرني أنها خاصة بي، فقلتُ له: أنت مثل من أعطاني عسلا ومنعني من تذوقه.

 

غيرَ أني فكرتُ في فائدة أفادني بها وهي عزيزة غالية بل من الفوائد التي يُرحل إليها، وهناك من الفوائد حقها أن يُرحل إليها ، فقد ذكر الشيخ عبد الفتاح أبو غُدة أنه سافر إلى الهند فقابل علامة الهند الفقيه المحدّث الحافظ “محمد يعقوب النانوتوي”. فقال الشيخ محمد يعقوب للشيخ عبدالفتاح : أتعلمُ ما الحِكمة من موت خالد بن الوليد – رضي الله عنه على فِراشه مع صدقه في طلب الشهادة في سبيل الله في مظانّها ومواطنها وتحت ظِلال السيوف في أكثر من مائة وعشرين معركة حامية الوطيس؟ فقال الشيخ عبد الفتاح: لا

فقال الشيخ محمد يعقوب: ذكر لنا العلماء أن النبي صلّ الله عليه وسلم لقب خالداً بسيف الله المسلول، فإذا قتل في معركة، فقتله يعني كسر سيف الله، وسيف الله لا يكسر أبدا، حتى لا يقول الناس:- قُتل سيف الله و كسر، بل اختار الله له أن يموت على فِراشه.

 

فقال الشيخ عبد الفتاح: والله إن هذه الفائدة كفيلة بأن يُضرب إليها السفر إلى بلاد الهِند، ولو لم أحصل إلا عليها لسفري هذا لكفاني”.

 

أقول: هذه الفائدة التي زودني بها فقيه اليمن الميمون ومجتهدها الذكي الألمعي من حقها أن يُرحل إليها لعظيم نفعها لطالب الفقه ومن يطمح أن يكون فقيها متمكنا من هذا الفن، وقد صحبتُه ذات مرة إلى محاضرة علمية فكنتُ رفيقه وصاحبه وأنيسه فلما خلوتُ به في الفندق أردتُ محادثته في بعض المباحث الفقهية وما يخصّ العالم الفقيه فنثر لي كنانته في أربع ساعات متواصلة في دقيق العلم وعويصه لم يتوقف فيها عن الإجابات ولم أتوقف عن سؤاله ومباحثته، فكان مما سألته ولم أستأذنه في نشر إجابته ولا أظنه يمانع

 

متى يصبح طالب العلم فقيها ؟

 

قال: “حتى يمرّ على الفقه كل عام “.

 

هذه هي الفائدة فإن كنتَ محبا للفقه وتريد أن تكون فقيها فعظ عليها بنواجذك، وقد كنتُ أظن أنه سيسترسل في الإجابة في نحو أربع ساعات أخرى فإذا هو يوصلني إلى مبتغاي ويحقق مطمحي في أن تكون إجابة مختصرة شافية وافية كافية، جامعة مانعة ماتعة.

 

وفائدة التكرار والمرور على الفقه كل عام أظنها تتلخص في خمسة أمور:

أولها: التشبع بروح الفقه والعيش في ظلاله، ثانيها: نيل الخيرية التي شهد بها الحبيب صلى الله عليه وسلم ، ثالثها: بناء مسلكه الفقهي، رابعها: الاستفادة من طرائق الفقهاء وسنَنِهم، خامسها: تكوين ملكته الفقهية من فهم قواعدٍ وحفظِ أدلة واختلاف آراء.

 

إن طالب العلم لا يمكن أن يصبح من الفقهاء إلا إذا اتّخذ له وردا فقهيا كل يوم في كتاب جامع تأنس به نفسه ويطمئن إليه قلبه ويتخذه خدنا له وصاحبا لا يفارقه سفرا ولا حضرا، فيختمه كل سنة مرة ثم يعود عليه وهكذا عمره كله فإن بدت له فائدة أو قرأ حكما فقهيا أو إضافة جعلها في تعليقات ذلك الكتاب، أو جعلها في مسودة تابعة له مفرّعا عليه.

 

وطلاب الفقه لهم مذاهب ومشارب فالحنفي يمكن أن يلازم بدائع الصنائع للكاساني، والمالكي يمكن أن يلازم المنتقى للباجي فهو أجود شروح الموطأ وأجملها ترتيبا وتنظيما لمسائل المذهب، والشافعي يمكن أن يلازم البيان للعمراني، والحنبلي يمكن أن يداوم على المغني.

 

ومن كان يحب القراءة في كتب الفقه المقارن فأجودها وأجملها وأخصرها بداية المجتهد لابن رشد على عثرات فيه أهمها إهماله مذهب أحمد في كثير من المسائل، والغلط في النسبة أحيانا فانتبه لهذا، وإن كان يريد كتابا موسوعة فعليه بالمُغني لابن قدامة ففيه غناء وراحة من كل عناء ومن استذكره واستطاع استيعابه فهو الفقيه حقا وحقيقة.

 

أما إن كنتَ من العامّة أو لم تدخل جامعة ولم تدرس في حلقة علمية فعليك بفقه السنة لسيد سابق غير أن فيه بعض الأحاديث الضعيفة، وقد اختصره الأستاذ فؤاد دحابة في مجلد وأضاف عليه ترجيحات القاضي العمراني وأهدى لي نسخة منه شيخنا القاضي العمراني بخط يده _رحمة الله _ غير أنه لا يغني عن الأصل وممكن تحل مشكلة الأحاديث الضعيفة بشراء تخريج الألباني عليه، وقد قرأته كاملا في صنعاء على العامة بعد صلاة العصر في سنتين فوجدتهم يفهمونه بسهولة ويسر.

 

وإن كنتَ ممن يميل إلى الفقه مرتبطا بالقرآن فعليك بتفسير القرطبي فهو النهاية والزبدة، وإن كنت ممن يميل إلى فقه الحديث فعليك بفتح الباري ونيل الأوطار.

كان هذا هو خلاصة للكتاب الذي يمكن أن تصطحبه عمرك كله لتكون فقيها.

 

ومع أي مسار سرت في هذه المسارات مذهبيا أو قرآنيا أو حديثيا أو مقارنا ينبغي عليك عدم إغفال أمرين البداية بعلوم الآلة والاطلاع على نوازل العصر ومستجداته وأعظم كتاب فقهي كُتب في هذا العصر هو كتاب “المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم” وقد طلب من ابن عثيمين تأليف كتاب في أحكام البيت المسلم فقال : “كفانا في هذا زيدان” هذا بالنسبة للموسوعية، وإن أردت الاختصار “فالمقدمة في فقه العصر” فيها إطلالة جميلة على مستجدات العصر ونوازله تنفعك بجانب ما ذكرته لك من المسارات.

 

غير أن هذا كله لا يؤهلك أن تكون مُفتيا فهذه مسألة أخرى منفصلة عن سابقتها فالإفتاء درجة لا يصل إليها كل الفقهاء وهو يحتاح إلى دراسة قواعد الفقه، وأصوله، والتضلع من علم اللغة، ومعرفة دلالات الخطاب، والناسخ والمنسوخ، وتاريخ التشريع ومعرفة فقه الواقع، وفقه التنزيل، والجلوس بين يدي العلماء الراسخين والاستفادة من تكييفهم للأحكام ومعرفة أحوال السائلين، ودراسة مذهب في أول الطلب والتدرج فيه والإحاطة بتفصيله غير أن هذا لا يمنع أن تنقل للناس على سبيل العزو ما قال مالك والشافعي في مسألة ما دون الخوض في علم الفتيا فمن تقحم هذا الباب دون علم فإنما يتقحم نار جهنم.

 

ثم إني سألتُ الشيخ أيضا سؤالا مماثلا عن علم النحو فأجابني إجابة مختصرة في كلمة واحدة لعلي أفضي بها إليكم يوما من الأيام..

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.