اتفق الاخوة في إحدى المدن الألمانية مع البلدية على استئجار سينما السيارات لأداء صلاة العيد فيها، وصورة الصلاة ستكون في السيارات والناس جلوس بمتابعة صوت الإمام من الشاشة ومكبرات الصوت وهو موجود معهم بنفس المكان . وقد أجازها لهم أحد الأئمة قياسا على صلاة الدابة على النافلة .
فما رأيكم دام فضلكم ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على الرسول الكريم
فالنازلة المسؤول عنها
هل يجوز صلاة العيد على السيارات متابعة للإمام في مكان واحد نظرا لجائحة كورونا
الجواب
المقصود من صلاة العيد ظهور شعيرة من شعائر الله في جماعة المسلمين في كل بلد وحضور الخير ودعوة المسلمين وهذه المقاصد العظيمة دلت عليها النصوص الصحيحة «أمرنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض، فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها» . أخرجه البخاري، ومسلم.وفي رواية وجماعة المسلمين
والذي يظهر لي أنها من فروض الكفايات على الأمة في كل بلد
ولا يعارض هذا (لا إلا أن تتطوع )
لأن ذلك في فروض الأعيان
لا الكفايات ولهذا فرضت الجنازة كفاية ولا تعارض بينها وبين النص
والتكاليف الشرعية فروضها ومندوبها لها محددات شرعية تسمى الشروط والأركان شاملة للزمان والمكان والجهة والكيفية وهذه الشروط والأركان مفروضة على مجاري العادات أي في الظروف العادية
وتسقط عند التعذر والتعسر
وتبقى أصل الفريضة لأن المقصود هو أصل الفريضة إقامة لمقصود التعبد الكلي والشرط الجزئي والركن الجزئي هي مكونات للفرض وأجزاء منه في الجملة والأجزاء إن تعذر بعضها بقي الطلب على ما تبقى حفاظا على التكليف فإن الشريعة قصدت الحفاظ على التكليف تاما عاما في كل زمان ومكان وأشخاص وحتى يحفظ عموم التكليف في كل ظرف لحقته التخفيفات بعموم كلي قاطع محكم
(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )
فهذه الآية حاكمة على كل تكليف
وهذا من حكمة ورحمة الشريعة ويسرها ولو لم تلحق التخفيفات في التكليفات لأدى التشديد في الحفاظ على الأجزاء من الشروط والأركان حال التعذر إلى ترك التكليف ولعاد الحرص على حفظ الجزئي على الكلي الأصلي بالإبطال وهذا باطل
فكان مقصود التخفيفات عائدا على مقصود التكليف بالحفظ العام في كل زمان ومكان وظرف وجعلته الشريعة حينئذ تاما على الصفة المستطاعة
وإن لم يكن تاما على الصفة الأصلية
فالمريض الذي يصلي قاعدا صلاته تامة لأن هذا هو تمام تكليفه
ولو شرط عليه القيام لعجز عن أداء أصل التكليف ولأدى الاهتمام بهذا الشرط الجزئي إلى إبطال الكلي
وهكذا في مسألتنا فمن تعذر عليه شرط أو ركن سقط عنه
لذلك لجأ الصحابة إلى القياس على الأصل لمن فاته العيد وهذا ما أدى بالصحابة إلى الاختلاف
فأداها أنس ابن مالك على هيئتها كما هي في بيته لما فاتته المحددات الشرعية من عموم الاجتماع مع المسلمين وطرقها يعضد بعضها بعضا وعلقها البخاري جازما
بينما ابن مسعود أمر أن تؤدى أربعا لمن لم يحضر مع جماعة المسلمين
وله في ذلك أصل
قال عبد الله بن مسعود: ” من فاته العيد فليصل أربعا “.
أخرجه ابن أبى شيبة (2/9/1) وفيه انقطاع ومثل هذا لا يقال تفقها لكنه ضعيف لانقطاعه
وجنح الأئمة إلى قضائها كما هي على هيئتها وهو قول مالك الذخيرة 2/423 .
وقال الإمام الشافعي: [ونحن نقول: إذا صلاها أحد صلاها كما يفعل الإمام يكبر في الأولى سبعاً وفي الآخرة خمساً قبل القراءة ] معرفة السنن والآثار 5/103.
وهو قول الحنابلة . الإنصاف 2/433 .
بينما اتجهت الحنفية إلى عدم القضاء ومدركهم في ذلك أنها لها محددات شرعية هي الجماعة العامة
قالوا : ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام لم يقضها لأن الصلاة بهذه الصفة لم تعرف قربة إلا بشرائط لا تتم بالمنفرد الهداية في شرح بداية المبتدي (1/ 85)
قلت:
فإن كان العذر عاما فقد جاء النص بقضائها في يوم آخر جاء ذلك
من – (حديث أبى عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قالوا: ” غم علينا هلال شوال فأصبحنا صياما , فجاء ركب من آخر النهار , فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس , فأمر الناس أن يفطروا من يومهم , وأن يخرجوا لعيدهم من الغد ” وهو صحيح
والحاصل أن صلاة العيد في جائحة كورونا تعذر الاجتماع لها وليس لها بدل منصوص فلهم أن يصلوها في البيوت بهيئتها كلها وبخطبتها ولا دليل على إسقاط شيء منها
ومن صلاها في المصلى العام
على الراحلة كما هو الحال في هذا السؤال فقد أدى التكليف المستطاع
مع الحفاظ على إظهار الشعيرة ومقصودها المنصوص فهي من هذه الجهة أولى من الصلاة في البيوت
لتحقيقها مقصود صلاة العيد على وجه شبه تام والصلاة على الراحلة للنفل جائز وللفرض عند الخوف كذلك جائز كما في (حديث يعلى ابن أمية: ” أن النبى صلى الله عليه وسلم , انتهى إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته والسماء من فوقهم , والبلة من أسفل منهم , فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن ثم تقدم فصلى بهم يعنى إيماءاً يجعل السجود أخفض من الركوع ” رواه أحمد والترمذى
وقد بحثت الحديث وهو لا بأس به
وغاية ما فيه عمرو بن عثمان بن يعلى بن مرة وقد ذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه اثنان وقال عنه الذهبي وثق وما هذه مرتبه فلا باس في حديثه عن أبيه وهو مجهول إلا أن القاعدة الحديثية أن الجهالة في التابعين يستضاء بها في مواطن فلا ينزل عن الحسن لذلك قال الحافظ في الإصابة إسناده لا بأس به ابن حجر الإصابة 1/131 وقال النووي في المجموع شرح المهذب (3/ 106)
رواه الترمذي بإسناد جيد قلت وهو بعيد وعلى كل حال فأصل التشريع هو( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )
فمن أدى صلاة العيد على السيارات في محل واحد كما في الصورة المسؤل عنها نظرا لجائحة كورونا فهو جائز وقد أدى التكليف
وللفقهاء نظير لهذه المسألة
فقد قال النووي قال أصحابنا ولو حضرت الصلاة المكتوبة وهم سائرون وخاف لو نزل ليصليها على الأرض إلى القبلة انقطاعا عن رفقته أو خاف على نفسه أو ماله لم يجز ترك الصلاة وإخراجها عن وقتها بل يصليها على الدابة لحرمة الوقت . المجموع شرح المهذب (3/ 242).
وعلى ما تقدم نفتي بجواز هذه الصورة وهي الصلاة على السيارات في جائحة كورونا في محل واحد مع متابعة الإمام وحضور جماعة المسلمين وشهود دعائهم وهذه مقصودات صلاة العيد
والجلوس جائز كما تقدم ، وصلي بالإيماء ويجعل السجود أخفض من الركوع وقد ثبت بذلك أحاديث صحيحة لا كما ادعى البعض
ويجب عليهم أداء بقية الشروط والأركان من استقبال القبلة وطهارة وغيرها ونسأل الله أن يمن على الأمة وعباده أجمعين برفع هذه الغمة عنهم ..
وكتبه الفقير إلى ربه
أ.د فضل مراد
الدوحة 26 رمضان 1441 هـ