Dr.Fadil

دلالات الفطرة ومحاولات مسخها!

أ.د فضل مراد

0

دلالات الفطرة ومحاولات مسخها!

الفطرة في الوضع اللغوي: من الفطر وهو الشق، ويطلق على ما يبدأ به، وعلى الخلقة التي خلق الله عليها خلقه، وهذه المعاني في اللغة هي نفسها في الشرع إلا أنه ثمت إطلاق آخر للفطرة في الشرع هو الدين.

وقد أُطلق المعنيان في قوله تعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم).
وهذا المعنى له مدرك لغوي؛ لأن فطرة الله بمعنى دينه، والمعرفة به تعتبر من أصل الخلقة البشرية، وتغييرها خلاف الأصل، ويدل على ذلك الحديث : (فأبواه يهودانه …)

وعلى هذا يمكننا القول: إن الفطرة من الجهة الخلقية هي ما خلق الله عليه الإنسان وسائر الخلق عموماً من الصورة والشكل والتركيب والنفسي.

والفطرة ديانة هي: معرفة الله تعالى وتوحيده بدين الإسلام الذي أنزله الله على جميع رسله، وبعثهم برسالاته إلى خلقه، وختمهم بنبينا محمد – عليه الصلاة والسلام – فمسخ الفطرة إذاً يسير في هذين الاتجاهين:

اتجاه الفطرة الخلقية والفطرة الدينية

وهو ملخص في كلمتين: «التحريف والتغيير» فالأولى للدين، والثانية للخلقة؛ لذلك قال الله عن أهل الكتاب:- «يحرفون الكلم عن مواضعه» وقال عن تغيير الخلقة :- «ولآمرنهم فليغيرن خلق الله».

ويجمع المعنيان مصطلح : تبديل الفطرة، لذلك قال سبحانه في آية الفطرة: (لا تبديل لخلق الله).
فشمل المعنى الديني والمعنى الخلقي؛ لأن المولود يولد على الفطرة الخلقية والدينية، ولشدة الارتباط بين الفطرة الخلقية والدينية لا يمكن تغيير الفطرة الخلقية إلا بتحريف الدينية، وكلما أوغل التحريف في الفطرة الدينية أوغل التغيير في الفطرة الخلقية.
فالتحريف على هذا مراتب، أقبحها الكفر بالله والشرك به، يليها الكبائر، وهذا يفسّر لنا تصنيف الشرع للمغيّرات لخلق الله في رتبة الذنوب التي استحقت اللعن وهذا دليل الكبائر.
ومع أفحش الذنوب وهو الكفر بالله يحصل التغيير في الخلقة على أفحش صوره، ولهذا سمّى الله انحراف قوم لوط فاحشة؛ لأنه أمر تستفحشه العقول السليمة والفطرة السوية، وعاقبهم الله بما يليق بهذه الجريمة.

وقد ارتبطت هذه الجريمة في قوم لوط بالكفر؛ لأن هذه المرحلة المجتمعية الخطيرة لا تمكن إلا مع الكفر، حيث تحول من فاحشة قبيحة فردية يلفها الخوف والظلام والتأنيب النفسي المستمر إلى التطبيع المجتمعي!

ومن الفلتة النادرة إلى ظاهرة لها حقوق، وحماية، وعصبة، وهنا يتشكل الخطر في أقوى مظاهره، لقد أرسل الله لهم الرسول الكريم؛ لينقذ المجتمع من الغرق في وحل الشهوات والانحراف، وتضمنت رسالته أصلين عظيمين هما: تقوى الله وطاعة رسوله (فاتقوا الله وأطيعون). والثاني: مكافحة الفاحشة (أتأتون الذكران من العالمين). والأصل الأول تنبني عليه سائر الفضائل والمكارم.
لم يستجب المجتمع لهذه الدعوة الفاضلة، واتجه نحو العنف وفرض الأمر الواقع بالقوة، وهدد النبي الكريم بعقوبات جسيمة، منها: الطرد، والتهجير من البلد.

ووصل الأمر إلى مداهمة بيته؛ لفرض الرذيلة هناك عنوة مع ضيفه الكريم، وهذه من أقسى مواقف الحياة التي يمكن أن يتحملها الشخص، لقد انتهت الإنسانية والقيم هنا؛ لأن الإنسان إذا انتكس وتسفل في أدرك أنواع التسفلات يتوقع منه الأسوأ دائماً .. إن العدوان على الضيف النازل بنبيهم أمر غير مقبول أبداً، ولا مبرر مع ما لديهم من خيارات بديلة من مصادر الرذيلة، ولم يتوقف نبيهم عن تنبيههم إلى الخيار الفطري الطبيعي (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) وهكذا أجابوه (إنك لتعلم ما نريد).
القضية لا تحتاج إلى تصريح عن الإرادة والهدف من مجيئهم
إنه واضح جداً!
إنهم الآن فقط يفرضون قوانينهم بقوة المجتمع، هذا الموقف صورة للأرهاب والهمجية التي يمكن أن يصل لها مجتمع الفاحشة بقوانينه الإجبارية والعدوانية على الإنسان، والأخلاق، والحياة، لا يراعي خصوصية أسرة، ولا حرمة بيت، ولا حق ضيف!

إن البشرية اليوم تجري في هذا الطريق وقطعت أشواطاً كبيرة وصلت إلى مرحلة التقنين والإجبار على القبول على مستوى المدرسة والمجتمع والسياسة، إنه تجريم على أي تعبئة قيمية لأحد أطفالك، ويعد ذلك تنمراً وكراهية يعاقب عليها كما ستراه في قوانين الأمم المتحدة، ولم يتبق سوى خطوات أخيرة لمداهمة البيوت وانتهاك الخصوصيات والحرمات، والغطاء القانوني اليوم متوفر بأريحية لهذا الفعل، فحالتنا العالمية قد وصلت إلى تقنين تجريم الكراهية التي يعنون بها حرفياً تقديمك نصائح لطفلك تشوه فكره ونظرته إلى مجتمع الميم (كما يسمى) وستصل قطعاً إلى ممارسة الاقتحام الأخير، ولا يحتاجون إلى مبرر؛ لأن القانون معهم، فلا شرطة ولا قانون في صفك!

وبنظرة قانونية بسيطة لا بد أن تفهم أن جريمتك أعظم من اقتحامهم لبيتك الذي لا يعدو أن يكون مداهمة لوكر عنصر يمارس بث الكراهية المجتمعية، ويقف ضد حقوق الإنسان، ويجب حماية الإنسانية منه!

وهذا ما قاله مجتمع الميم مع رسول الله لوط (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون).

فجاءهم أمر الله وعقابه الأليم وما هو من الظالمين ببعيد، وفي أي عصر ينحرف فيه المجتمع عن الفطرة الإلهية – التي تقوم على قانون الزوجية- بشكل جماعي فإنه سيحل بهم ما حل بأولئك القوم، وهذا وعيد من الله تبارك وتعالى وتحذير من تحول هذا الفعل إلى مظهر اجتماعي.

إن الزوجية في الخلق من أهم تراتيب الفطرة التي وضعها الله في الكون، لذلك قال: (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون)، وقال قبل آية الفطرة في سياقها: (خلق لكم من أنفسكم أزوجا).

والحكمة من الزوجية التي وضعها الله سبحانه في خلقه هو استمرار وجود الخلق بما يحقق التكامل والانسجام والابتلاء والتدافع في عمارة الأرض،
وإلا فهو القادر على خلقهم بدون ذلك، لكن الحكيم سبحانه خلق ذلك وفق سنن جارية؛ لتدركها العقول وتهتدي بقوانينها التي أراد الله، لذلك جعلها مسخرة لهم وفق هذه القوانين.
ولو خلقهم بدون سنن لامتنع إدراك أسرار الخلق وقوانينه، ولامتنع تسخير الحياة وإمكاناتها في الاستخلاف.
لهذا كان الحفاظ على الفطرة حفاظاً على قانون التمكين وسننه وفق منهج الله ورسالاته.

ومعاندة ذلك وتجريفه وتحريفه وتبديله سعياً في الأرض فساداً، ومشاقة لنواميس الكون، وعملاً تخريباً بامتياز لا يخدم أي مقوم إنساني ولا ديني ولا حضاري.

 

أ.د. فضل مراد

أمين لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة بجامعة قطر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.