[فقه الأقليات]
الأرض لله يورثها من يشاء من عباده.
وهي في الأصل موضوعة لعموم الخلق (وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ) (الرحمن: ١٠)، (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً) (البقرة: ٢٩).
والإقامة في أي بلاد جائزة، والاستيطان بها وأخذ جنسيتها؛ إذْ الأصل الإباحة؛ لعموم العفو عن كافة المسائل المسكوت عنها بالنص (وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا) (المائدة: ١٠١).
ولأن الجنسية الوطنية إلى وطن ما لا تصادم الدين؛ لإمكان اجتماع الوصف الديني والوصف الوطني بلا تعارض، كعربي مسلم، وأوروبي مسلم؛ فالانتماء الديني لا يعارض الانتماء الوطني.
ومن لم يستطع إقامة دينه في بلد وجب هجرته ولو إلى غير مسلمين يقدر على إقامة التكاليف الشرعية عندهم، فإن لم يفعل ظلم نفسه إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا* إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) (النساء: ٩٧ – ٩٨).
فلم يحدد النص وجهة الهجرة إلى أرض.
وجعل قانون ذلك وجود العدل والحرية التي يستطيع معها إقامة دينه، كما يفهم من مقصود الآية أنها هجرة يتمكن فيها المسلم من الإيمان والعمل الصالح.
وقد هاجر الصحابة إلى الحبشة، وهم وملكهم على النصرانية؛ فرارا بدينهم (١).
و«لا هجرة بعد الفتح» (٢) يعني: واجبة إلى المدينة بعد الفتح؛ لوجوبها قبله على كل من آمن
بالدعوة، ولجواز الهجرة إلى المدينة وغيرها والإقامة فيها بعد الفتح إلى يوم القيامة.
وعموم أحكام الشريعة، زمانا، ومكانا، وأشخاصا على كل مكلف.
المقدمة في فقه العصر
د. فضل مرد