الضمان في الوظيفة والإجارة:
وأما ضمان الأجراء فإن كان الأجير خاصا كسواق، أو عامل في بيت، أو طباخ، أو سكرتير، فهؤلاء لا يضمنون إلا بالتفريط، وهذا استثناء من أصل الضمان.
وهنا تأتي قاعدة «لا يجتمع الأجر والضمان»؛ لعدم استقلاله بالتصرف؛ لأن يده تحت يد صاحبه، وهذه علة تدفع الضمان؛ لأن الضمان إنما هو تابع للفعل، فاجتمع هنا فعل المالك، وفعل الموظف أو الأجير، وأحدهما فيه ضمان، والآخر ليس فيه، ويتعذر التفصيل. فرفع الضمان بيقين حتى يعلم سببه بيقين، والله سبحانه وتعالى يقول «ولا تزر وازرة وزر أخرى» (الأنعام:164).
فلا ينفرد شخص بالضمان وجوبا مع اشتراك الأيدي والأمر والنهي والتصرفات؛ لأنه خلاف العدل المأمور به «إن الله يأمر بالعدل والإحسان» (النحل:90)، ولأنه لا تكليف إلا بيقين، ولا يقين هنا.
ولأنه إن ضمن ما يُتلِف أدى إلى التضييق والحرج في هذه الإجارات وهو مرفوع «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» (البقرة:185)؛ لأن العادة جارية في هذه الإجارات على بعض الإتلافات.
ومن فرط منهم تفريطا ظاهرا ضمن؛ لأنه حينئذ يُقْطع بانفراده بالسبب.
وأما الأجير العام كصاحب محل خياطة، أو حياكة، أو صياغة، أو حذّاء، أو طبيب، أو مهندس، فإن كل ما سلم له بالضمان عليه إن تلف عملا بالأصل؛ لأن الأصل الضمان؛ ولأن جنايته على ذلك من قِبَلِه خالصةً على وجه لا يحتمل معه مشاركة المالك؛ لأن يد المالك مرفوعة قطعا بعد تسليمها لصاحب المحل ويد هذا الأجير مطلقة في التصرف.
والأصل في الطب الضمان؛ لأن الأصل في بدن الإنسان الضمان، فلا يهدر له دم ولا نفس ولا عضو، فإن تنازل هو أو أولياؤه قبل العملية فلا ضمان.
وإن تبين أن سبب الوفاة فشل الجراحة بأمر ليس من الطبيب بل للمرض كشدته واستفحاله فإنه لا ضمان.
أ.د. فضل مراد
أمين لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة بجامعة قطر