المجتمع والشعائر الكبرى:
وواجب على المجتمع إقامة شعائر الله وتعظيمها، وأعظمها الصلاة والزكاة.
فالأولى أعظم صلة بين العبد وربه، والأخرى أعظم صلة مجتمعية مالية مفروضة.
ويجب على أهل الحي بناء مسجد؛ لأنه وسيلة إلى أعظم الطاعات، والوسائل تأخذ أحكام المقاصد؛ ولقوله تعالى «إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين» (التوبة:18).
ومفهومه أن غيرهم لا يفعل ذلك؛ فعمارة المسجد دليل الإيمان.
وقال «في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال» (النور:36).
وإذنه هنا إيجاب بدليل مثله في قوله تعالى «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير» (الحج:39)، ولأنه لو لم يكن إيجابا بل مباحا لاستوى حكمه مع أي بناء مباح، ولجاز للناس عدم بنائه، فدل على أن مقصود الإذن التشريع الموجب.
وقال «ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خآئفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم» (البقرة:114).
فلا ظلم فوق المنع.
والامتناع عن بناء مسجد بلا عذر هو كالمنع؛ لأنه إن كان لعجز فيجوز بناؤه بأدنى متيسر ولو بإحاطة مكانه وتعليمه كمسجد للصلاة، وإن كان لجهل فهذا نادر جدا قد لا يقع أصلا.
فلم يبق إلا أن صدود قلوبهم عن بناء المسجد كائن عن عدم تعظيم شعائر الله، ويجب أن يتعاون من تقوم بهم الكفاية وإلا بناه فرد واحد بقدر استطاعته.
وعلى قادرٍ إعانته، ولو من غير أهل الحي، إعانة مادية، وفعلية، ومعنوية.
ورفع الأذان للصلوات الخمس في المساجد واجب؛ لأنه قوله وتقريره صلى الله عليه وسلم مدة حياته، ولم يتركه سفرا ولا حضرا، وأمره بلالا ومؤذنيه بما هو ظاهر في دلالته على الوجوب.
فقه المجتمع المدني والقبيلة .. المقدمة في فقه العصر
أ.د. فضل_مراد
أمين لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة بجامعة قطر