وفرض تعبئة القوات المسلحة والأمن بما يخدم الدين والعقيدة «وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا» (النساء:84).
وبما يخدم المصلحة العامة للشعب.
ويحرم تعبئته لخدمة حزب حاكم، أو معارض، أو أسرة، أو قبيلة؛ لأن هذا خيانة للأمانة، وبه تحصل مفاسد كثيرة.
وهذا الواجب، على القيادة العليا وكل القيادات، والجهات المعنية كالتوجيه المعنوي ونحوه من وسائل الإعلام.
ويشرع كتابة الشعارات التي ترفع المعنويات، وترديدها في العرض، والسير، والقتال.
ويشترط أن تكون الشعارات مباحة، فيحرم ترديد شعار تفريق، أو تكريس طائفية، أو مناطقية؛ فإن هذه من الجاهلية في كثير من النصوص نحو «ليس منا من دعا إلى عصبية».
وإن كان الشعار «الله، الوطن، الثورة»؛ فإنه يفصل بين هذه بمبيِّن نحو «الله نعبده، الوطن نبنيه، الثورة نحميها»، وإلا بـ(ثم)، لورود «ما شاء الله وشئت. قال: جعلت لله ندا ما شاء الله وحده».
ولا يجوز أن يُجعل اسم رئيس أو ملك أو زعيم بجانب اسم الله، وهذا من باب أشد؛ لأنه لما حرم في النطق قول «ما شاء الله وشئت».
فمن باب أشد مَنْ قَرَنَه فجعله شعارا ملفوظا، ومكتوبا يردده الناس، أو طائفة منهم؛ فإن هذا أشد في التحريم لعموم مفسدتها، ولدوامها، ولتكرارها، والمحرم إذا عم ودام وكرر عظم إثمه ووزره وتعين منعه.
فإن كان الرجل القائل «لولا الله وأنت» قد جعل لله ندا، في نطق عابر لا يعظم ولا يكرر ولا يستدام، فكيف بمن جعل اسمه مع اسم الله على وجه التعظيم الدائم المكرر.
والتعظيم جاء من جهة كونه شعارا لطائفة أو شعب، فإن الشعارات الوطنية والدينية للدول والشعوب والطوائف يقصد رفعها في الأصل تعظيما لمن ذكر في الشعار، وبذلا لحمايته وصيانته له.
ولا يمكن تمييز ما لكلٍّ في الذهن العام، يعني للوطن الحماية، أو للزعيم، ولله التعظيم، فيؤدي إن كان لشخص، من ملك، أو زعيم، أو رئيس إلى نفخ الكبرياء فيه، وغرس الفرعنة والاستبداد في أمره ونهيه حالا أو مآلا أو كلاهما، وهذا فساد «إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين» (القصص:4)، «تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين» (القصص:83).
ويؤدي إلى تعظيمه كتعظيم الله، وحبه كحب الله وهذا منهي عنه بالنص «ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله» (البقرة:165)؛ لذلك يحرم جعل الشعار الوطني العام باسم شخص، أو حزب، أو أسرة؛ لما يكرس من المفاسد والاستبداد والتعظيم، وهذه يجب دفعها؛ فإن كان مقرونا باسم الله، فقد جعل نفسه ندا لله، إضافة إلى ما سبق من المفاسد، فهو أشد في التحريم.
والوقوف لأداء النشيد الوطني أمر لا أرى فيه مانعا؛ لأنه لا يقصد به التعبد، أو التعظيم، ولأنه نوع من الانضباط العسكري كوقوفهم لسماع صفارة أو نداء أو أداء التحية العسكرية.
وهي نوع من العرف الرسمي والدولي العام، ولا يناقض الدين ولا العقيدة.
والأناشيد الحماسية للجيش، أفتى جماعة من العلماء بجوازها، ولو بالموسيقى العسكرية المعروفة، وهذا ما يترجح عندي؛ لأن مفاسد ما حرم الغناء لأجله منعدمة هنا، والشريعة قائمة على التعليل.
الجنائز العسكرية:
ودفن الجنائز العسكرية أو الرسمية بمراسيم عسكرية ورسمية من البدع المنكرة؛ لأن هذه الأمور تعبدية ورد فيها أمر ونهي.
ويجب على من ظن أنه يُصْنَعُ به ذلك بعد موته منعه في حياته ولو بالوصية.
فقه المؤسسة العسكرية والأمنية.. المقدمة في فقه العصر
أ.د. فضل_مراد
أمين لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة بجامعة قطر