أما أركان الجهاد في سبيل الله فهي الثبات عند اللقاء، والإخلاص لله، والقتال لتكون كلمة الله هي العليا، وطاعة الأمر، ووحدة القيادة ووحدة القرار وطاعته.
والفرق بين الأركان والشروط أن الأركان مفروضة حال المعركة المعيَّنة وما يتعلق بها من السوابق واللواحق.
أما الشروط فهي أمور مفروضة قبل مباشرة أيِّ معركة قتالية في سبيل الله.
فالثبات ركن لصحة الجهاد حال اللقاء، ودليل ركنيته الأمر به والنهي عن ضده المعين «إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون» (الأنفال:45)، «يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار» (الأنفال:15)، واجتماعهما نصا على أمر واحد يدل على عدم الصحة إلا بوجوده، وهذا دليل على الركنية أو الشرطية.
وإنما جعلناه ركنا لا شرطا؛ لأن الركن جزء من الشيء بخلاف الشرط، والثبات جزء من القتال حال المعركة، فهو كالقيام في الصلاة حال أدائها.
وأما الإخلاص لله فهو أمر قلبي، وهو ركن لصحة العمل عند الله.
وأما القتال لتكون كلمة الله هي العليا فللنص «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»، و«من قاتل تحت راية عمية ينصر عصبة فهو من جثي جهنم».
والقتال حينئذ محرم، وقد جمع هذان الركنان في قوله تعالى «ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط» (الأنفال:47)، فحرم القتال رياء وبطرا بلا هدف مشروع.
وأما طاعة الأوامر فلأن معصيتها مؤد إلى مفسدة الفشل والتنازع وعدم النصر «ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين» (آل عمران:152).
وأما توحد القيادة على قائد مطاع فوجوبه الركني حال القتال في سبيل الله مستفاد من «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» (الأنفال:46)، والنهي يفيد الفساد كما هو معلوم في الأصول.
وهذا التكليف في النص هو حال اللقاء «يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون* وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين» (الأنفال:45-46).
وأما ركن الطاعة أعني طاعة الله ورسوله فللأمر به حال اللقاء «وأطيعوا الله ورسوله»، وهذا يفيد الوجوب الخاص، ويرفعه إلى كونه من أركان الجهاد في سبيل الله أنه إذا فقد بطل الجهاد؛ لأن المقاتلين إذا كانوا عصاة لله ورسوله في أمهات التكليف؛ فجهادهم ليس في سبيل الله، ولو ادعوا؛ لأن الدعوى إذا خالفتها الظواهر فهي باطلة.
فدعوى أنهم في سبيل الله مع اعتدائهم على حدود الله وشربهم الخمر، وقطعهم الصلاة، وارتكابهم الفواحش، نفاق.
الحلقة الرابعة من فقه الجهاد _ المقدمة في فقه العصر
أ.د. فضل_مراد
أمين لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة بجامعة قطر