يقول السّائل: امرأة أعطتني مبلغ زكاتها لتوزيعه على المحتاجين، وأنا حالياً أجمع تبرعات لحفر بئر هناك، فسألتني: هل يجوز لها إخراج زكاتها في حفر البئر بدلاً من توزيعها؟ فهل يجوز ذلك، أم يجب عليّ توزيعها على مستحقيها كما هو معتاد؟
أ.د فضل مراد
السؤال:
يقول السّائل: امرأة أعطتني مبلغ زكاتها لتوزيعه على المحتاجين، وأنا حالياً أجمع تبرعات لحفر بئر هناك، فسألتني: هل يجوز لها إخراج زكاتها في حفر البئر بدلاً من توزيعها؟ فهل يجوز ذلك، أم يجب عليّ توزيعها على مستحقيها كما هو معتاد؟
الجواب
قلنا للسادة المشاهدين: إن الله سبحانه وتعالى فرض الزكاة، وقسمها بنفسه حتى لا يُتصرَّف فيها بالعبث وبالاجتهاد؛ فإن أمورًا قسمها سبحانه وتعالى بنفسه يجب علينا أن لا نتجاوزها.
فقسمها على ثمانية أصناف، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]
فإذاً، هذه الأصناف الثمانية هم الذين تُعطىٰ لهم الزكاة.[1]
فهل حفر بئر ذكره الله في هذا؟ لا، لم يذكره، ولذلك نقول دائمًا – ننبّه إخواننا-: حفر البئر أصلًا يُحفر ويَشرب منهُ الغنيُّ والفقير، فلذلك لا يجوز له.
وكذلك -من باب الفائدة-: مستشفى مثلًا، أن تُبنى من الزكاة مستشفىٰ، هذا المستشفى للأغنياء والفقراء والمساكين، إلَّا إذا قلتَ: “العلاج المجانيُّ تابع للفقراء فقط”، وبقيت الأموال تؤخذ للمشفىٰ، وللفقراء فأنتَ في دائرة الزكاة ولم تخرج عنها.
وكذلك التعليم: تدريس الفقراء، أن تدفع رسومًا لفقير لا يستطيع دفعها، فيجوز أن تدفعها من الزكاة؛ لأنَّه باسم الفقر.
فإذاً، الفقراء والمساكين هم المصارف الأساسيّة المقدّمة في هذا، وكذلك بقيّة الأصناف المذكورة في الآية.
أما البئر، فلا يجوز لك أن تصرف فيه الزكاة، بل اصرف فيه من مالك، من وقفك، فإنها من أعظم الأعمال؛ الوقف من أعظم الأعمال[2].
فلا تبخل على نفسك وعلىٰ والديك بوقف مائي، ببئر، بمسجد، بمدرسة، ونحو ذلك.
*________*
[1] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة(1)، والمالكِيَّة(2)، والشَّافعيَّة(3)، والحَنابِلَة(4) وحُكِيَ الإجماعُ في ذلك(5).
(1)- (البناية شرح الهداية) لبدر الدين العيني (3/442)، وينظر: (الجوهرة النيرة) لأبي بكر بن علي الحدادي (1/127).
(2)- (الكافي في فقه أهل المدينة) لابن عَبدِ البَرِّ (1/325)، (حاشية الدسوقي على الشرح الكبير) (1/498)، ويُنظر: ((المعونة على مذهب عالم المدينة) للثعلبي (ص: 445).
(3)- (مغني المحتاج) للشربيني (3/106)، (كفاية الأخيار) للحصني (1/190).
(4)- (كشاف القناع) للبهوتي (2/270)، وينظر: (المغني) لابن قدامة (2/497).
(5)- قال ابنُ قدامة (ولا نعلم خلافًا بين أهل العِلم في أنَّه لا يجوزُ دَفعُ الزَّكاةِ إلى غير هذه الأصناف، إلَّا ما رُوِيَ عن عطاء، والحسن، أنَّهما قالا: ما أُعطِيَت في الجسورِ والطُّرُق، فهي صدقةٌ ماضية). (المغني) (6/469). وقال الشربيني: (قوله تعالى إنما الصدقات الآية فعلم من الحصر بإنما أنها لا تصرف لغيرهم وهو مجمع عليه) (مغني المحتاج) (3/106).
*________*
[2] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْه – أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم – قَالَ: “إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”. [صحيح مسلم، كتاب الوصيَّة، باب ما يلحق الإنسان من الثَّواب بعد وفاته، حديث رقم (1631).
قال النَّوويُّ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: “وفيه دلالة على صحَّة الوقف، وعظيم ثوابه، فالصَّدقة الجارية هي الوقف” [صحيح مسلم بشرح النَّوويِّ، دار إحياء التُّراث العربيِّ، بيروت، طـ [2، 1392هـ]
عن أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْه – أنَّ رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم – قال: “مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللهِ إِيمَانًا بِاللهِ، وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ؛ فَإِنَّ شَبَعَهُ، وَرِيَّهُ، وَرَوَثَهُ، وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ”. [صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسِّير، باب من احتبس فرسًا في سبيل الله، حديث رقم (2853)].
عن أنس – رَضِيَ اللَّهُ عَنْه – عنه قال: لما قَدِمَ رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم – المدينة، وأمر ببناء المسجد قال: “يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُم هَذَا”، قَالُوا: لَا وَاللهِ لَانَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللهِ”.
[صحيح البخاريِّ، كتاب الصَّلاة، باب وقف الأرض للمسجد، حديث رقم (2774)].
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أصاب أرضًا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله! إني أصبت أرضًا بخيبر، لم أصب مالًا قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: “إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا”، قال: فتصدق بها عمر رضي الله عنه، أنه لا يُباع، ولا يُوهب، ولا يُورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويُطعم غير متمول، قال: فحدثت به ابن سيرين، فقال: غير متأثل مالًا. [صحيح البخاري برقم 2737، وصحيح مسلم برقم 1632].
وقد ورد عن الصَّحابة -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم- أنَّهم سارعوا إلى الوقف؛ رغبةً في الثَّواب العظيم من الله تعالى، قال الشَّافعيُّ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: “بلغني أنَّ ثمانين صحابيًّا من الأنصار تصدَّقوا بصدقات محرمات”.
وكان الشَّافعيُّ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – يُسمِّي الأوقاف: الصَّدقات المحرمات. [مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، شمس الدِّين، مُحَمَّد بن أحمد الخطيب الشِّربيني الشَّافعي(ت 977هـ) دار الكتب العلميَّة، بيروت، ،د.ط،4115هـ (3 /523)].
ويقصد الشَّافعيُّ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – بالمحرمات، أي: أنَّه يحرم بيعها، والله أعلم.
وعندما كتب عمر – رَضِيَ اللَّهُ عَنْه – صدقته في خلافته –أي وقفه- دعا نفرًا من المهاجرين والأنصار فأحضرهم ذلك، وأشهدهم عليه؛ فانتشر خبرها، قال جابر: “فما أعلم أحدًا كان له مال من المهاجرين والأنصار إلَّا حبس مالًا من ماله، صدقةً مؤبَّدةً لا تشترى أبدًا، ولا توهب، ولا تورث” [21].
المغني، (8 /185).
#منصة_الإفتاء_اليمنية_العالمية
مرجعك للفتاوى الشرعية