Dr.Fadil

{وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله}

أ.د فضل مراد

0

{وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله}

 

التحرر من كل المؤثرات والضغوط على البيان الشرعي والفتوى والتعبد من أهم مقصودات الشرع في إقامة التكليف، قال تعالى:{وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله}

فحين تتأثر الفتاوى بالجمهور أو السلطة أو الضغوط الجهويّة أو الحاجيَّة، أو حتى العاطفيّة أو المطامع المطلبية، فإنها لا تكون لله، ولا يكون الدين كله لله، بل لأهواء وشهوات وسلطات.

وحينئذٍ تساهم الفتوى في زيادة التيه عن الصراط المستقيم، الذي من المفترض أن تكون الفتوى دالته وبوصلته.

إن الفتوى والقضاء والحرب والسياسة عمل العقل فيه سلطانيٌّ، لا مدخل للعاطفة ونوازع الشهوات والأهواء فيه، فهي مشوشات على نظر العقل وفكره وتأمله.

والتخلص منها يكون بتوحيد المقصد للواحد الأحد، فلا يلتفت القلب لغيره من الحطام.

فمن قصد ببيان النّازلة أن يتعبد الله بهذا البيان، تمكن من الوصول إلى الحق في نظره واستنباطه؛ لأن الله تعالى يقول: (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).

فكل من عظّم في قلبه تقوى الله، وتجرد مقصده له في بيان الحق، حصل له الهدى والتوفيق.

وهذا النص دليل على تقديم العالم الأورع على الأعلم رقيق الورع؛ لأن العالم الأورع يُفتح له من هدايات القرآن ما لا يُفتح للأعلم رقيق الورع.

والفتوى تنتج من خلال نصوص حاكمة وأصول ضابطة لها، وتُفهم تلك النصوص بمعايير دلاليّة، وموازنات مراتبيّة، وتُنزل بمحددات هادية توجه بوصلتها الإفتائية إلى الصواب.

وجميع هذا يكون بما يهبه الله من ملكةٍ راسخةٍ في النظر، عميقةٍ في مدارك الفهوم للواقع والمتوقَّع، حالًا ومآلًا وأبعادًا، لتنزيل النص وتفعيله واقعيا، وبما يفتح الله به من توفيقٍ ورحماتٍ وهداياتٍ لمن أخلص له في نظره وفتواه، وتجرد عن عوارض العلائق والعوائق.

فالفتوح بيده، والتوفيق من فضله، يُنعِم به على من يصطفيه من خلقه، مصداقًا لقوله تعالى: (مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ ).

وقد شرحنا بتفصيلٍ مهايعَ النظر، وكشفنا عن خارطة الإبحار في لججه، التي يهدي الله فيها من يشاء، وينجي من غوائلها من يريد، في كتابنا:

(خارطة النظر الفقهي) – ثلاثة مجلدات – في القسم التأصيلي من موسوعتنا التجديديّة معالم الاجتهاد في فقه العصر.

نسأل الله أن يعين على طبعه ونشره، ويكتب به النفع في العالمين إلى يوم الدين.

أ.د. فضل مراد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.