رسالة إلى الجميع في فقه المرحلة والصراع
كتب: أ.د. فضل عبد الله مراد
من أساليب المكر والدهاء إثارة صراع أهل السنة فيما بينهم، تجد شخصاً عالماً أو طالب علم يعالج مفهوماً؛ يهدف من خلاله حماية الشريحة الواسعة من الضخ التضليلي الكبير، فينبري له من يدحضه ويرد عليه ويشوهه من صفه من طلاب العلم والدعاة.
وهذا يكون بحسن نيّة ظنًا منه أنّه ذب عن السنة، وقد يكون مأجوراّ على نيّته، وأحيانًا مأزوراً حسب ترتب المصالح والمفاسد، العامة والخاصة، من ذلك.
لكن من يحثه ويدفعه له صفوف ورائية تدفعه كذلك، تجد طرفها مَن يستهدف السنة ويغذي الصراع والفرقة.
لقد تأملتُ في كل قضيّة محوريّة يموسمها الطرف الآخر ويستغلونها في المواسم والأحداث، فوجدتُّ أن صراعاً ينبعث بين أهل السنة حصرياً هل هذا الحديث صحيح أم لا ما معناه؟
بينما الطرف الآخر يمارس الفعل فقط، وفعل ما يشاء ولا يتفضل حتى بالرد.
ويترك -فقط- تلك المهَة لبعض السنة في بعض.
……
خذوا مثلاً قضيّة الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- (عدد ما في السماوات وما في الأرض) في التشهد الأخير، قضيّة فقهيّة خالصة خالدة تالدة
والكلام عليها:
— أولاً: هي من القرب الكبيرة في كل وقت بلا خلاف، وقد دلت عليها النصوص بما لا يحصى كثرة، فالصلاة على النبي من أفضل العبادات بلا شك.
— ثانياً: نقل اتفاق العلماء على أنّها في الصّلاة مشمولة بعموم الفضل فمن صلى عليه في تشهده أو في سجوده في الدعاء أو في قنوت الوتر فقد عمل عبادة مشروعة عظيمة في كل حال، لم يختلف العلماء على ذلك.
— ثالثاً: هل من تركها في التشهد الأخير تبطل صلاته؟ هنا المسألة العلميّة، وأوّل من قال ببطلان الصلاة بتركها الشَّافعي ورد عليه الكافة وقالوا خالف الإجماع، كالطبري، والطحاوي، وابن بطال، وابن عبد البر، والخطابي، وابن المنذر، والقرطبي وجماعات ..
ومع ذلك تبعه بعد ذلك أحمد في رواية معتمدة وفي رواية أن القول بذلك شذوذ
وقال بوجوبها من المعاصرين أحمد شاكر،
وابن باز، والألباني، واللجنة الدائمة، ومن المتأخرين الصنعاني… والوجوب لا يلزم منه البطلان كما هو مقرر.
أما ركنية أو وجوب الصلاة على الآل في التشهد الأخير فلم يقل بها أحد من أئمة المذاهب، ولا قبلهم ولا بعدهم من السنّة عموماً.
ومن نقل عن الشافعي أو أحد المذاهب السنيّة فقد كذب أو أخطأ.
— رابعاً: انظر إلي قضيّة اسم الأقيال هو: عبارة عن وصف لعظماء اليمنيين وقادتهم تاريخياً، وخاطبهم بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في رسالته لهم.
فأيّ عيب أن تدعىٰ بما دعى به محمد بن عبد الله أجدادك، يقابله اللقب العنصري “زنبيل وقنديل”، فاختر لنفسك ما تشاء!
وصارت معركة على هذا الاسم بين المنسوبين لأهل السنة، بينما الطرف الآخر يكتفي بالتفرج واضعاً رجلاً على رجل يكاد يموت غبطة وفرحاً لهذه السخرية.
— خامساً: لمواجهة هذا الوصف الذي خاطبهم به النبي -صلى الله عليه وسلم- تولدت فجأة كفريات من بعض من يدعي أنه قيل من الأقيال، وهنا علامة الاستفهام هل هم حقيقيون من أهل السنة أم ذباب لهم هدف خلق الصراع وتغذيته؟!
لكن دعوني أقول هنا: هل الحكم الشرعي هو تكفير الجميع في حال أن عامياً جاهلاً متشنجاً يمكن أن يكون حقيقياً أو ذباباً هل يجوز ادعاء تكفير الكل بسبب فرد أو أفراد؟!
هل يجوز أن أكفر شخصاً أو الكل أو أضللهم فقط؛ لأنه رضي لنفسه أن يلقب لقب أجداده الأقيال العظام الذي أقرهم عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-
والله ما هذا بجائز في الشرع….
— سادساً: قس على ذلك بقية المسائل مثل:” حديث الغدير” ، “ومصطلح الآل”، أو “آل لبيت”، أو “أهل البيت” أو “العترة”
ما من َلقب من هذا إلا وقد ناقشه العلماء قديماً وزيفوا، وصححوا، ونقحوا، لكن الملاحظ أن الطرف الآخر لا يتولى أي رد، بل يقوم به عنه بالوكالة معينون من أهل السنة على إخوانهم.!
أقول: لا بأس أن ترد علمياً … نعم، لا بأس، بل هو حق علمي مكفول لك في العرف العلمي.
لكن أن تكفر أو تضلل أو تهجر أخاك أو تشوه سمعته؛ لأنه خالفك هذا هو الذي لا يجوز، ولا يحق لك لا شرعاً ولا في العرف العلمي.
أيها الإخوة: الخلاف العلمي الخالص مطلوب ولكل أحد..
— سابعاً: لكن ثمت ملاحظة جوهرية يجب أن تستوعب لكلنا عند الرد والنقاش:
هناك ما يسمّى فقه التنزيل وهو فهم يتعلق بواقع النازلة، فإن كان هناك غلو في التشيّع فهل من المناسب الرد العلمي في هذا الظرف أم هو غباء منك أو مني يعتبر ممّا أنعم الله به على أهل الطرف الآخر في هذه المرحلة؟
إذا فسؤال (متى) أرد علمياً مهم في فقه التنزيل.
وإلا تحول لهديّة مجانيّة للطرف الآخر، الذي يستهدف الجميع بلا فرق.
وقد ذكر أهل العلم أنه إذا ظهرت بدعة فاترك ما يعضدها ولو كان مباحاً، كلبس القبعة التي بلا ذؤابة مثلاً هي مباحة وزينة.
لكن نص العلماء أن من لبسها عزر، وأدب؛ لأنها صارت شعاراً لأهل البدع من الشيعة وغيرهم.. فانظر إلى الفقه المرتبط بالواقع.
— ثامناً : أيها الإخوة نحن نمر بمرحلة حرجة جداً ومفصلية، علينا أن نجمع جهودنا المشتركة بكل أطياف السنة بالإطلاق الشامل لفرقهم، وفئاتهم، سلفيهم، أشعريهم، ماتريديهم، صوفيهم مذهبيهم، لا مذهبيهم، إخوانهم، تبليغيهم. ساسيهم، ومدنيهم وعسكريهم، والخلاف بيننا نحله بالرد العلمي والتناصح، لكن علينا جميعاً السعي الحثيث الآن في لم الشمل ومواجهة الفكر المنحرف الذي يستشري، وأن نضع لذلك أيدينا مع بعضنا، ونعمل في كل مناسبة وموسم على نشر ذلك، ونستغلها كما يستغلها الآخرون.
بدلا من الصراخ الدائم ضد بعضنا والكيد والفرقة التي ما استفدنا منها سوى المزيد من الضعف والشتات، وتمكين من يسعى لإذلالنا وإضعافنا جميعا..
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
أ.د. فضل عبد الله مراد
رئيس منصة الإفتاء اليمنية العالمية