Dr.Fadil

هل يجوز ابتداء غير المسلم بالسلام؟

أ.د فضل مراد

0

فتوى: هل يجوز ابتداء غير المسلم بالسلام؟ وصلني هذا السؤال من احد الاخوة في أوروبا

الجواب على ذلك:

هذه مسألة متقدمة متجددة معاصرة في نفس الوقت.

والناظر يجب عليه معرفة أصول الباب الحاكمة من كتاب وسنة، والنظر في الموازنة إن ظهر تعارض والاطلاع على منهجية الصحابة في فهم هذه النصوص ومن بعدهم من أئمة الفتوى، والتأمل في سياقات الدلالة وأسبابها.

مع التزام محددات التنزيل الواقعي وهي راجعة لإحدى عشر محدداً بينتها في موضع آخر.

وكنتُ قد قررتُ جواز ذلك في كتاب المقدمة في فقه العصر بعد رحلة تأصيلية تنزيلية في المسألة قبل حين.

وأقول هنا إيضاحا للسائل :

المسألة على قسمين:

القسم الأول: رد السلام عليهم بعد تسليمهم فهذا مما لا خلاف في جوازه

لعموم قوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) [النساء: 86]

قال ابن عبد البر: ولم يخص مسلما من ذمي.

وفي قوله عز وجل: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} دليل على أنه أراد التحية الحسنة.

وأمّا التحية السيئة فليس على سامعها أن يحيي بأحسن منها، وإن فعل، فقد أخذ بالفضل، وعليه أن يرد مثلها، بدليل هذا الحديث، قوله -صلى الله عليه وسلم-: “فقل: وعليك” انتهى كلامه.

وقد نقل الاجماع على جواز الرد النووي إنما الخلاف هل يكتفى بعليكم أم يزاد كما ذكره ابن عبد البر.

قلتُ: والأولى الذي تدل عليه مكارم الإسلام وعدله أن يقال: إنهم إن سلموا بتحريف كما صنعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث قالوا: السام عليكم فيقال: عليكم أو يزاد الواو كما ورد في البخاري ومسلم صحيح البخاري

(5/ 2242 ت البغا)

أما إن سلموا على وجهها الصحيح فيرد عليهم صحيحا كما ورد في القرآن

وهذا من الجمع بين نصوص الكتاب والسنة عند التعارض.

ثم اطلعتُ على ما يعضد ما ذهبت إليه من الجمع في كلام لابن القيم: في أحكام أهل الذمة – ط رمادي (1/ 425): قال «هذا كله إذا تحقق أنه قال: السام عليكم، أو شك فيما قال، فلو تحقق السامع أن الذمي قال له: “سلام عليكم ” لا شك فيه، فهل له أن يقول: وعليك السلام، أو يقتصر على قوله: ” وعليك؟” فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية وقواعد الشريعة أن يقال: له وعليك السلام، فإن هذا من باب العدل والله يأمر بالعدل والإحسان.

وقد قال تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} [النساء: 86]»

القسم الثاني: ابتداء غير المسلم بالسلام عليكم، وهذه مشمولة بعموم قوله تعالى: (وقولوا للناس حسنا).

وقوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) (الممتحنة: 8) ولا يعارض هذا حديث (لا تبدؤوهم بالسلام )

وقد بينت في المقدمة في فقه العصر (1/ 135) وجه المسألة فقلت:

ويحمل حديث «لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام» على الحالة التي كانت جارية عندهم في تعاملهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حيث كانوا يبدءون بالسلام فيقولون: السام، فنهى عن البدء بالسلام لذلك معاملة بالمثل؛ لأن الله يقول (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا) (الشورى: 40)، وورد في الصحيح صفة الرد عليهم في هذه الحالة بعينها بقوله «وعليكم وقد جمع ابن عبد البر بين ذلك بوجه آخر حسن فقال: وقد يحتمل عندي حديث سهيل، أن يكون معنى قوله: “لا تبدؤوهم”» أي: ليس عليكم أن تبدؤوهم، كما تصنعون بالمسلمين، وإذا حمل على هذا، ارتفع الاختلاف انتهى كلامه.

وما قررته من جواز بدء غير المسلم بالسلام افتى به جماعة من الصحابة والسلف فقد أورد بن عبد البر في التمهيد – (10/ 459 ت بشار): ابتداء السلام على غير المسلم جماعة من الصحابة:

فعن أبي أمامة الباهلي: أنه كان لا يمر بمسلم، ولا يهودي، ولا نصراني، إلا بدأه بالسلام ويقول: هي تحية لأهل ملتنا، وأمان لأهل ذمتنا، واسم من أسماء الله نفشيه بيننا..

وعن ابن مسعود وأبي الدرداء، وفضالة بن عبيد: أنهم كانوا يبدءون أهل الذمة بالسلام.

وعن ابن عباس، أنه كتب إلى رجل من أهل الكتاب: السلام عليك.

وعنه أيضا أنه قال: لو قال لي فرعون خيرا، لرددت عليه مثله.

وهو ما جاء عن محمد بن كعب القرضي وأجاز ذلك ابن وهب، وابن محيريز كما نقله عياض.

ونقل كذلك ابتداء السلام لغير المسلم عن جماعة من السلف جوازه إما لسبب أو مطلقا فقال: وذهب آخرون إلى جوازه ابتداء للضرورة أو لحاجة تعن له إليه، أو لذمام وسبب. يروى ذلك عن إبرأهيم وعلقمة.

وقال الأوزاعى: إن سلمت فقد سلم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون» إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 53).

ونقله الحافظ وجها للشافعية قال: في فتح الباري (11/ 45):

«واحتج بعضهم بقوله تعالى فاصفح عنهم وقل سلام وحكاه الماوردي وجها عن بعض الشافعية لكن لا يقول ورحمة الله وقيل يجوز مطلقا»

وبناء على ما تقدم من الأدلة وأقوال أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، فالذي تقرر عندي هو الجواز في عصرنا ابتداء ورداً بالتفصيل السابق والله تعالى أعلم.

 

أ.د. فضل عبد الله مراد

أمين لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الأمين العام المساعد للاتحاد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.