ولا بد لكل تجمع بشري من قيادة بحسبه:
بدءا من الأسرة، ثم القبيلة، فلا بد لها من مرجع مُحَكَّم مطاع، ولا بد للشعب من قيادة مطاعة.
والقيادة تمثل الدولة، ولا بد أن تحمي المصالح العامة، ولا بد لذلك من قوة بكيفية معينة يمثلها اليوم المؤسسة الأمنية والعسكرية، والقضاء.
وكل الشعوب لها علاقات مع بعضها على مستوى الأفراد، والجماعة، والمجتمع، وعلى مستوى السياسات والدول، فكان علم العلاقات الدولية.
ويظهر لهذا كله في المجتمع شرائح متعددة شكلت طبقات ثلاث: اقتصادية، وقيادية، وعلمية.
وهذه الطبقات التفاضلية متعلقة بالكسب بخلاف الطبقية العرقية، فهي جاهلية حيوانية؛ لأن كل ما للكسب فيه مدخل، ففيه تفاضل، ولا تخرج عن الثلاثة.
وكل ما لا يأتي بالكسب مثل اللون والعرق والنسب والبلاد والجنسية فلا تفاضل فيه، لا عند الله ولا عند خلقه العقلاء، ومن زعم فيه التفاضل فقد جرى على قانون البهائم «إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» (الحجرات:13).
ولا توجد في الأصل الجبلي ولا الدليلي الشرعي طبقية لعرق بشري على آخر، بل الكل من تراب، وإن أوجدها الجاهليون «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» (الحجرات:13).
فأصل رسول الله وسائر الرسل والأنبياء، وكل إنسان صالحاً أو طالحاً من تراب.
ولا تفاضل إلا بأمر واحد هو الكسب، وهو ديني بالتقوى، أو كسبٌ دنيوي، وهو ثلاثة مكاسب: اقتصادية وقيادية وعلمية. وترتب على هذا تقاسيم فئوية، وأسرية، وعمالية، ومناطقية، وتحتها شرائح مجتمعية كثيرة متعددة منها:
– أصحاب المال، والجاه والقيادة والسلطان، والعلم، والعامة، والمنافقون والمرضى والمذبذبون، والمؤمنون أصحاب المبادئ والقيم، والكفار بالرسالة كلا أو بعضا، والظلمة وأعوانهم وأتباعهم.
وتنوعت الأخلاق والأعمال بحسب ذلك.
فأخلاق أهل المال غير السلاطين، والقيادات، والعلماء.
وأخلاق المصلحين صالحة، وأخلاق المنافقين منافقة مع الكل، وأخلاق أصحاب الحرف البسيطة بسيطة عادة.
وحتى لا تسير الجماعة بشكل عشوائي لا بد من قانون ينظم أمورها.
فأنزل الله الشريعة، فأمر بما يخدم المصالح ويدفع المفاسد، وكل هذا يدور على أمهات الإصلاح العام والخاص للإنسان والأرض والدولة والمجتمع والأسرة.
وساقه بقواعد وأصول معيارها العدل والمصلحة ودرء المفسدة، والإحسان، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي.
وأقر العادات الجارية الصحيحة.
وكل ما يتعلق بصلاح البشرية شمله الإسلام، الدين الحق الخاتم.
وأرسل الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فمن الناس من آمن، ومنهم من كذب، ومنهم من كذب فآمن ظاهرا وكفر باطنا وهم المنافقون، ولكل أحكام وأوصاف.
فقه المجتمع المدني والقبيلة .. المقدمة في فقه العصر
أ.د. فضل_مراد
أمين لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة بجامعة قطر