Dr.Fadil

أسباب القتال في سبيل الله.. من فقه الجهاد

أ.د فضل مراد

0

– ويجب لحماية حدود دولة الإسلام من عدو مقاتل للنص «يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة» (التوبة:123).

– ولدفع فتنة دينية عن أهل الإسلام «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله» (الأنفال:39)، فإذا اضطهد المسلمون وفتنوا في دينهم وجب القتال لدفع ذلك إن لم يتم دفع الفتنة إلا به، إلا أن يكون المضطهدون في بلاد كفر بيننا وبينهم معاهدة سلام «وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق» (الأنفال:72).

– ولدفع استضعافٍ واضطهادٍ للنساء والولدان وضعفاء الرجال من المسنين، وهذا يجب فيه القتال في سبيل إنقاذهم ولا تُقَيَّد بوجود ميثاق «وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا» (النساء:75).

– ويجب ردا على العدوان «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» (البقرة:194)، ويجب فيه التماثل، والزيادة بغي محرم.
وظاهره وعمومه يفيد رد العدوان بالمثل، احتلالا وضربا، أو غزوا خاطفا، أو حصارا، جوا، أو برا، أو بحرا.
فإذا نزل الكافرون بأرض دولة الإسلام وجب عينا إخراجهم منها. وهل تحتل بلادهم عملا بالمثل؟ هذا راجع إلى تقدير الوضع من أهله زمانا ومكانا، والنص أفاد الاعتداء بمثل الاعتداء، وأفاد الآخرُ إخراجَهم.
والعمل بالنصين عند القدرة هو كمال التكليف؛ ولأن ذلك من مقتضيات كمال الردع.

– والقتال في سبيل الله واجب لإخراج محتل للنص «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم» (البقرة:191).
وفرق بين الأمر بإخراجهم كما أخرجونا، وبين من حيث أخرجونا؛ لأن الأخير هو إخراجهم من أرضنا التي أخرجونا منها، وسابقه إخراجهم من أرضهم احتلالا ردا للعدوان بالمثل كما يفيده «وجزاء سيئة سيئة مثلها» (الشورى:40)، «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» (البقرة:194).

– ويجب قتال من قاتلنا للنص «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا» (البقرة:190).

– وكذا قتال من بدأنا بالقتال «وهم بدءوكم أول مرة» (التوبة:13).
والفرق بين هذه والتي قبلها أن هذه تفيد تعليل فرض قتال في سبيل الله لكافر بدأ بقتال أهل الإسلام.
والتي قبلها تفيد فرض القتال لمن قاتلنا ولو لم نعلم البدء؛ لأن تمييزه قد يخفى؛ فيدعي كل طرف أن الآخر بادئ؛ فرفع هذا الوهم فأوجب قتال من قاتلنا ولو لم يتميز البادئ بيننا وبينهم.

– وبلاغ دعوة الإسلام الحق إلى الناس يكون بالحسنى والحكمة «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين» (النحل:125)، وليس الأصل القتال، بل السلم والرحمة.
فمن منع الناس عن الدخول في الإسلام ومنع الدعوة إليه في دولته بالحوار والسلم والتي هي أحسن؛ فإنه يقاتل إعلاء لكلمة الله «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» (التوبة:29).
فأوجب قتال أربع فئات، وهم الملاحدة اللادينيون «الذين لا يؤمنون بالله»، والدهريون المشركون المنكرون للبعث «ولا باليوم الآخر»، ودول المنافقين الذين يبيحون ما قطع بتحريمه «ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله»، وأهل الكتاب «ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب».
وإنما حملنا هذه الآية على هذه الأصناف؛ لأن جعلها في أهل الكتاب فقط يقطع بعدم وجود الوصفين الأولين من الآية فيهم، فهم يؤمنون بالله وهم يؤمنون بالبعث.
وغاية القتال الاستسلام إرغاما في ترك الصد عن دين الله من أراد الدخول فيه ومنع دعاته وأهله من تبليغه.
وفرض عليهم دفع رسوم مواطنة؛ لأن المسلمين يدفعون الزكاة، وهؤلاء الجزية على قادرٍ.
وإنما شرطنا في قتال هذه الفئات صدهم الناس في دولهم عن دخول الإسلام ومحاربته وإيذاء أتباعه؛ لأن الله منع قتال المسالم «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم» (الممتحنة:8).

– ويقاتل عدو حربي نقض العهد والهدنة للنص «ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة» (التوبة:13).

– وكذا يقاتل في سبيل عدو هجَّر المسلمين من وطنهم وديارهم «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير* الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله» (الحج:39-40)، «وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا» (البقرة:246).

– ويقاتل من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسب أو شتم أو إساءة، وإذا كان معاهدا فينتقض عهده «ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول» (التوبة:13).
ففرض القتال على مجرد التآمر والتخطيط لإخراج الرسول وتهجيره ولو لم يقع، فسبه وشتمه والإساءة إليه توجب ذلك.
وفي سب الله أولى، وكذا الإساءة للدين الإسلامي وشعائره وامتهانه كالمصحف.
وهذا إذن راجع إلى تقدير المصلحة، وترتيب هذه المراتب كلها خاضع للشورى المصلحية والقدرة والاستطاعة.
فما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الروم حتى كانت دولته قد قويت وأمِن من العدو الداخلي.

 

الحلقة الثالثة من فقه الجهاد _ المقدمة في فقه العصر
أ.د. فضل_مراد
أمين لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة بجامعة قطر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.