حكم البيع على المتاجر الالكترونية (دروب شيبينغ (Drop shipping) وبيان الجواز والخطأ في التصور.
فضيلة العلامة أ.د فضل مراد
قلنا مرارا ترسيخا للنظر التأصيلي في ذهن المفتي وطالب العلم والباحث.
لكل مسألة خمسة أسئلة
سميتها الأسئلة التأصيلية الخمسة
في طليعتها سؤال التصور
ثم الثبوت ثم الدلالة ثم الموازنة ثم الإنتاج، فالتصور باب صحة الفتوى،
والسلع قسمان:
سلعة معينة بذاتها ، سلعة موصوفة
والبيع على متاجر النت من أي نوع.
وقد ظهرت فتاوى في المتاجر الالكترونية بالمنع وتفصيلهم البنائي قائم على تصور معين لها أدى إلى الفتوى بالمنع..
فقد صور أناس أن البيع على المتاجر الالكترونية الوسيطة بيع ما لا يملك وبيع قبل قبض وسأبين خطأ هذا التصور فأقول :
أما النهي عن بيع ما ليس عندك.
فهو من حيث العلة مقصوده المنع لأجل ما يحصل من تباين واختلاف في الصفات التي يريدها المشتري مع ما ذهب البائع إلى السوق لشرائه.
وأما معناه فهو النهي عن بيع ما لا تملكه من السلعة المعينة.
وقد أخطأ من ظن أن المقصود النهي عن بيع ما ليس عندك وهو ملكك كأن يكون في المخازن مثلا، وبعضهم ظن أن المقصود النهي عن بيع سلعة لا تملكها مطلقا .
وهذا خطأ فإن محل الحديث بيع سلعة بعينها محددة.
قال ابن قدامة : المغني لابن قدامة (6/ 296 ت التركي):
«ولا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها، ليمضى ويشتريها، ويسلمها، رواية واحدة. وهو قول الشافعى، ولا نعلم فيه مخالفا؛ لأن حكيم بن حزام قال للنبى -صلى الله عليه وسلم-: إن الرجل يأتينى، فيلتمس من البيع ما عندى، فأمضى إلى السوق فأشتريه، ثم أبيعه منه، فقال النبى -صلى الله عليه وسلم-: “لا تبع ما ليس عندك”»
ومعلوم أن السلع قديما أغلبها لا تنضبط بل متفاوته كما وكيفا.
كالأحذية والملابس والصناعات الدوائية والطيب والحلويات وكذا الأنعام وكل هذه السلعيات المقصود أعيانها.
فيأتي العميل لشراء حذاء بعينه أو لباس بعينه فيقول له بعتك وسأذهب للسوق وأشتريه. أو يذهب مباشرة إلى السوق لشرائه ثم يبيعه له.
والغالب أنه إذا اشتراه ورآه المشتري لا يحصل التطابق والضبط فيحصل خلاف وخصومة وعدم تمام الصفقة.
بل حتى الحبوب وإن كانت تنضبط بالكيل إلا أن المشتري بالتجزئة يقصد الصفة فيريد قمحا معينا في الجودة فإذا لم يكن عندك واشتريته له من السوق اختلفت الصفات المقصودة.
وهذا كله في بيع سلعة معينة محدده.أما غير المعينة وهي المنضبطة بأوصافهافقد جاز بالنص والإجماع أن تبيعها قبل تملكها.
وهي من بيع ما لا تملك لكنها على الصفات لا على التعيين.
وهذا النوع وصفه الفقهي السلم .
و البيع على الانترنت في عصرنا بيع أوصاف ومقاييس معينة لا بيع سلع معينة.
فإن الصورة المعروضة على الموقع يشتري عليها ملايين الخلق في العالم. فالصورة لا يقصد بها سلعة معينة بذاتها.
بل مثل هذه الأوصاف.
وإلا فكيف يشتري هذا الجمع الكثير من العملاء في العالم نفس السلعة.
فعلم أن المقصود بيع ما هذه صفتها فالبيع على المتجر الالكتروني بيع سلم.
فمن فتح متجرا على النت جاز له أن يعرض الصورة من موقع آخر.
وأن يستلم الثمن من المشتري ثم يشتريها من أي موقع متوفرة ثم يبيعها للمشتري لأنه بيع أوصاف وسلم.
ويجوز له أن يؤجل تسليم الثمن إلى تسليم البضاعة.
وقد أفتيت بهذا فاستنكر البعض.
فقلت لهم لا نص فيها ولا إجماع بتقديم رأس المال في المجلس قبل قبض السلعة.
أما أنه لا نص فأين هو هذا النص.
وهذه كتب السنة على البسيطة افتحوها وأفيدونا بذلك
وأما أنه لا إجماع ففيه خلاف إمام دار الهجرة مالك في تأخير رأس المال في الثلاثة أيام.
وجاز أكثر من ذلك على أقوال في المذهب وتفصيل ليس هذا محلة حتى قال ابن العربي ملخصا المذهب وإن كان لا يوافقهم عليه .
كما في «القبس»: أما النقدية فيه فلم أعلم بين العلماء في وجوبها خلافًا، ولعلمائنا فيها اختلاف طويل آل بهم إلى أن يقولوا إن تأخيره بشرط اليوم واليومين جائز، وآلت الحال بهم أيضًا إلى أن يقولوا إنه لو تأخر بغير شرط إلى حلول أجل السلم أيضًا لجاز انتهى
…..
وهناك صورة أخرى جائزة هي أن يفتح متجرا الكترونيا ويتفق مع الموقع الآخر على أن ثمن سلعته بكذا وله أن يبيعها بأي زيادة وتكون له وتكون الزيادة له أجرة على الوساطة التجارية.
وبعضهم شدد فقال بوضع الثمن عند وسيط وكل هذا لا دليل عليه.
وسببه الخطأ في التصور.
فإن هؤلاء تصوروا أن الصورة الموضوعة على المتجر الالكتروني هي لسلعة بعينها برقمها وشحمها ولحمها في مخزن بالصين وهذا خطأ فادح.
فإن الصورة نموذج لأوصاف دقيقة تشترك فيها ملايين السلع.
فهذا بيع أوصاف. لا بيع أعيان.
وعليه فالبيوع المعاصرة التي تكون عبر النت من المتاجر الالكترونية يعرضها الشخص ويبيعها ثم يشتريها من السوق جائزة لأنها سلم
لأنه باع مواصفات لا عين السلعة المشاهدة.
والسلع على الموقع مضبوطة بالمواصفات الدقيقة كالهواتف وغيرها.
أما حديث ” لا تبع ما ليس عندك أي ما لا تملك”فلأنهم كانوا يبيعون الأعيان من المواشي والثياب وغيرها فإذا باعها وليست في ملكه بل يشتريها من السوق تختلف أوصافها ويحصل خلاف وخصومة.
فالشراء من المتجر العادي الواقعي شراء عين السلعة في الغالب. على تفصيل ليس هذا محله.
أما شراء المتاجر الالكترونية فشراء للمواصفات لا الأعيان. فهو سلم.
وبعضهم يستدل على المنع بحديث
( نهى عن ربح ما يضمن)
وهذا لا علاقة له بالمتاجر الالكترونية لأنها من باب السلم وبيع السلم جائز فيه بيع المعدوم مقدما قبل أن يخلق، أو يصنع وعليه تجارات العصر.
وقد فصلت القول في حديث ربح مالا يضمن في المقدمة في فقه العصر وبينت ضعف الدليل والدلالة فراجعه.
وعلى تسليم صحته فدخول السلعة في الملك قد يكون معها الضمان.
وعليه أفتى مالك بأن بيع الجزاف يجوز بيعه قبل قبضه لأنه لا يتعلق به حق توفية.
والقبض مختلف فيه على سبعة أقوال. فالتضييق على عباد الله بما لا نص فيه ولا إجماع خروج عن روح الشريعة في التيسير.
وقد أجمعوا (نقله ابن رشد)أن من اشترى سلعة ولم يقبضها وحصل فيها ربح وريع عند البائع أن الربح للمشتري وهي لم تقبض ولم تدخل في ضمانه بل هي في ضمان البائع .
وكذلك اختلفوا في الرد بالعيب هل يرد معها ما نتج من ثمرات وأعيان أم لا خلافا شديدا.
فمنهم من قال برد الجميع مع أن ضمانها كان على المشتري لو هلكت.
وبالجملة فالحديث مختلف في دلالاته وفي صحته كما أنه لا مدخل له في التجارة الالكترونية .
إلا على القول أنه بيع لسلعة بعينها بشحمها ولحمها وليس هذا منه مطلقا فهو خلل في تصور المسألة ماهي. والله أعلم
#أ_د_فضل_مراد
المقرر العام للجنة الاجتهاد والفتوي بالاتحاد
رئيس منصة الإفتاء اليمنية العالمية.
استاذ الفقه والقضايا المعاصرة بجامعة قطر