بعد قراءتك المستوعبة لهذه المقالة؛ سينكشفُ لك الكثير من الأمور الشَّائكة والمنهجية وتستطيع وزن أي مقولة, والرَّد على أي شخص يثير الإشكالات بصخبٍ ورعونة وعلو, ستفهمُ من خلالها أساس البناء الفقهي الشَّامخ المودع في تراثنا الذي نفاخرُ به العالم, وتفهم سطحية المشاغبين والهواة وفداحة ما يصنعون بالعقلِ والفكْر والجيل بصفاقةٍ غبية وعنترية جوفاء.
وستعرف من خلال المقالة أنَّ ما نوجه به الجيل الباحث ونحرص على بيانه مقاصدنا فيه إنما هي دلالية منهجية لا عنادية كيدية أو مكابرة وأخذ ورد. مقصودنا به حماية الجيل من فيروسات التَّضليل وبناء وعيه ليكون على الطَّريق الصحيح.
فأعرني فكرك وسمعك وبصرك:
لما كان القرآن والسنة بلغةِ العرب, وجب أن يستدل بقانون لغة العرب الدلالية فمن حكم فيها ما لا علاقة له بالدلالة وقوانينها فليس بناظرٍ ولا باحث ولا قيمة لكلامه. وهو أقرب إلى المشاغبات والمكايدات والمعاندات والتشويش الذي يضيع الأوقات ويضل به من تبعه. والله سبحانه وتعالى يقول في هذه الأنواع البشرية:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [الحج: 8-10] .
وهذه الثلاثة الأمور هي أركان الجدل:
– العلم وهو ما قيل له فيما يجادل فيه عالم . وهو يدل على التخصص العلمي وأنه لا يتكلم إلا بعلم.
– الهدى بأهل الهدى, وهم أهل الصراط المستقيم كما قال تعالى : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}.
– الكتاب المنير البين الواضح البين الذي ينير للنَّاس سبيلهم وهذا كتاب الله وسنة رسوله, ثم بين وضعه الأخلاقي وكبره وعلوه وزئبقيته ونرجسيته, فقال: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} أي: معرضًا عن النُّصْح والحجة فلا قيمة لكلام وحجة الغير عنده فإن له الأستاذية المطلقة وغيره حقهم الاستماع وحسب, ولغة جسده التي وصفها القرآن تدل على امتلائه بذلك .
ودلالات {ثَانِيَ عِطْفِهِ} ثلاث أمور: أي معرضًا متكبرًا.. لاوٍ عنقه.. لا يسمع للحق, فهذه الدلالات اللغوية التي تكشف عنها الآيات. وهذا النوع رأيناه في عصرنا مجادلًا مغرورًا متكبرًا لا يسمع لحجة ولا يعود لحق.
ثم بين أثره: فقال {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}.
ثمَّ بيَّن : جزاءه في الثنائي الشامل للدنيا والآخرة, فقال سبحانه: {لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ}. ولأجل معرفة دقيقة بقوانين النَّظر والبحث في النَّص القرآني والنَّبوي؛ سأبين ذلك في حقائق علمية لا جدل فيها :
1- أعلم الناس بلغة العرب هم العرب الذين نزلَ القرآن في عصرهم, وكانوا أهل جاهلية فلما جاءهم القرآن فهموه فأسلموا وصاروا صحابة , ومن مات على كفره لم يكن كفره لأنَّ له فهمًا للقرآن خاصًا به وفهم محمد ومن آمن به لهم فهم خاصٌ خاطئ, فلو قال أحد منهم ذلك لرمي بالجنون من أهل عصره, فكان كفرهم كفر عناد ومكابرة {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}.
2- إذًا من أبجديات العلم والبحث المنهجي أنَّ من فسَّر القرآن أو نظر في دلالة ألفاظه ودلالة السنة المطهرة يجب عليهم أن يعتمد على أعلم علماء اللسان وهم الصحابة ففقههم مبنيٌ على ذلك البعد اللغوي والفهم الدقيق والعميق للغة.
3- جاء من بعدهم من التَّابعين والأئمة فاعتمدوا ما ذهب إليه الصحابة في فقه الدلالة وساروا على نفس المنهج في التعامل مع الدلالة فيما استجد فأنتجوا فقها لا من عنديات فهومهم الخاصة, بل بدلالة اللسان العربي.
وعليه, فمن قال نرمي بفقههم وتراثهم كان به ضربٌ من الخبل؛ لأنه إما أن يتعامل بدلالة اللغة أو بدلالة من عنده. فلو تعامل بدلالة اللغة وقوانينها فإنه سيصل إلى ما وصل إليه الصحابة ومن بعدهم من التابعين والفقهاء, إذًا فمن يقول أفسر القرآن والسنة على فهمي ولا علاقة لي بفهم الصحابة ولا أرباب اللسان بعدهم ولا بفقههم فهو يقول: سأفسر القرآن بلا قانون ولا منهج.. بغير قوانين لغة العرب ودلالاتها, ويلزم على قوله هذا أنَّ من سبق كانوا على ضلال لضلال فقههم الأعوج المبني على فهم أعوج للغة ودلالات القرآن والسُّنة. فهذا النوع من الجهلة النقاش معهم يبدأ بتعلمه دلالة اللغة؛ لأنَّ فهمه لا يقوم على قانون ولا منهج , فهو نوع من العبث والجهل والسَّفه الكبير .
4- الدلالة اللغوية هي:
أولًا: دلالة لفظ من حيث المادة اللغوية ودلالة قوة ووضوح ومنه (النص والظاهر والمجمل والمبين والمشترك).
ثانيًا: ودلالة صرف بنائي ليفهم المراد هل المصدر أم الفعل أم الزمان أم المكان ويعلم من الفاعل والمفعول.
ثالثًا: ومنه دلالة شمول ومنه في لغة العرب (العام والخاص والمطلق والمقيد).
رابعًا: ومنه في لغة العرب دلالة السِّياق وفيه (العام أريد به الخاص والخاص أريد به العام والعام أريد به العام).
فقوله تعالى : {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ}.
ليس المقصود عموم النَّاس في العالم, بل هو عامٌ أريد به خاص وهو من أخبرهم بذلك والنَّاس الآخر هو أبو سفيان ومن معه.
خامسًا: ومنه دلالة الإسناد والتقديم والتأخير والحذف والإثبات والحصر والتشبيه والاستعارة وغير ذلك وهو مهمٌ جدًا ومحله علم البلاغة. ومثاله: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. فإنه لا يقول عالمٌ بلغةِ العرب أنه (لا كفر إلا مع ظلم الغير) إن فسَّر الظلم بذلك, وأن من كفر ولم يظلم فلا شيء عليه, وهذا نوعٌ من اللعبِ باللغة, فإنَّ المقصود جعل الكفر أقبح الظُّلم فإنَّ إسناد الظلم إليهم ليس حصرًا بل حكمًا لهم باستحقاقه, وهو ظلم أنفسهم لا ظلم غيرهم فلا علاقة لهذا المعنى بالآية.
وهكذا أسلوب القرآن فإنه يحصر ويريد تحقق الخصلة لا نفيها عما عدى ذلك, مثل: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ}, أي: الحقيقون بذلك لا أنه لا سفيه غيرهم . فقوله تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} أي: هم الظالمون حقًا, لا نفي الظلم عن غيرهم .
فآكل مال اليتيم ظالمٌ بالنَّص، والمضار لزوجته ظالم.. وهكذا,
وهذا الفهم الأعوج يؤدي إلى تكفير العالم الإسلامي كله حيث يجعل الكفر هو الظلم, والظلم معناه الاستبداد وظلم الشعوب.. وقد شاهدنا تكفيرًا للعالم الإسلامي كله من أحد الكتَّاب الهواة وحكم على دول الكفر الصَّريح بالإيمان لوجود العدل, فتعامل مع النص باللعب بعيدًا عن دلالات اللغة وعادات القرآن؛ فصار أبشع من داعش في التكفير بل لا مقارنة..!
سادسًا: دلالة الوضع الشرعي على نوع خاص من دلالة اللغة:
مثل الصلاة هي “الدعاء” في اللغة وفي الشرع جعل الدعاء ضمن أركان وشروط وماهية معينة وعدد معين وركوع وسجود.. فإذا أطلقت الصلاة في دلالة القرآن والسنة فهي الشرعية .
عبادة مرافعةٌ علمية: الدلالة أم القوانين التَّأصيلية في البحثِ والنَّظر
خامسًا: دلالة تعليل وهي مستفادة من التعليل الموجود في النص القرآني أو النبوي بأدوات التعليل اللغوي, فقوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ} تعليل صريح, وقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل مسكر خمر) علة شملت كل ما أسكر العقل وأزاله ليشمل الحكم ما كان موجودًا أو لم يكن موجودًا كالمخدرات, ومثل قوله تعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم كافرون). فهذا حكمٌ صريحٌ وتعليلٌ صريح, فحكم بمنع الصلاة عليهم, ثم صرح بالعلة وهي الكفر بالله ورسوله وماتوا على ذلك, فأخذ منه العلماء بدلالة اللغة: أنَّ كل كافر بالله أو كافر برسوله ومات على ذلك لا يصلى عليه. فالدلالة لغوية وليست عنادية. وهذا النوع نتج عنه ثلاثة علوم (علم القياس وعلم المقاصد وعلم القواعد).
أمَّا “القياس” فقام علماء الشَّرع بسبْر العلل المأخوذة من دلالات العربية في القرآن والسنة, فقننوا لذلك عشرة قوانين تعرف بها العلة, وهي معروفة في أصول الفقه.
أما “المقاصد” فأخذوا التعليل الكلي والجزئي واستقرأوا ذلك في سائر دلالات القرآن والسُّنة فأنتجوا علم المقاصد.
أما “القواعد الفقهية الكبرى” فهي مأخوذةٌ من القرآن والسُّنة مثل التيسير مأخوذ من الآية مباشرة {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر} وغيرها, فخرج ما يسمى علم القواعد الفقهية.
سابعًا: دلالات متعارضة وهي ناتجة عن دلالة لغوية عامة مع أخرى عامة أو خاصة:
وهو أربعة عشر نوعًا ولها قوانين دقيقة جدًا خرج منها علم الموازنات, وهو معلوم في أصول الفقه بالتعارض والترجيح:
– تعارض النص مع النص القرآني ومع السنة ومع الإجماع ومع القياس فهذه أربعة .
– تعارض النص النبوي مع النص النبوي أو مع الإجماع أو مع القياس فهذه ثلاثة .
– تعارض الإجماع مع الإجماع ومع القياس فهذان نوعان.
– تعارض القياس مع القياس.
فهذه عشرة أنواع, وأضفتُ عليها أربعة وهي متفق عليها, لكن لم يذكرها الأصوليون في الأصول, وهي :
– تعارض المصلحتين
– تعارض المفسدتين
– تعارض المصلحة والمفسدة
– تعارض المصالح مع ما تقدم
فهذه أربعة عشر نوعًا في القسمة العقلية أما العملية منها فمعلوم مزبور في الأصول والقواعد والمقاصد .
وسأضرب لك أمثله : تبين ذلك:
– فحين يقول الله تعالى: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ}.
دلَّ على عمومه بقتل المشركين لكنه خاصٌ بدلالة السِّياق ومعارض بنص أقوى منه صراحة, فبسياقه دلَّ في مطلع سورة براءة أنهم طائفة خاصة عاهدت وخانت وغدرت, لذلك قال عن غيرهم في نفس السياق {فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ}.
ومعارض بدلالات صريحة في آيات كثيرة وفي أفعال النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام الذي يعتبر المفسر التطبيقي لفقه النَّص القرآني في التَّعامل الأمني والسياسي.
– من الآيات: {وقاتِلُوا المُشْرِكِينَ كافَّةً كَما يُقاتِلُونَكم كافَّةً} فعلمنا أنَّ القتال للكافة مقابل قتالهم المسلمين.. ومن القوانين الصريحة في ذلك: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} وقد تتبعت علل القتال في القرآن فوجدتها اثني عشر علة ذكرتها في المقدمة في فقه العصر فقه الجهاد.
ثامنًا: قسَّمَ الله كتابه إلى قسمين:
القسم الأول: أمُّ الكتاب الواضحات التي يرجع فيها إلى بناء الأحكام وهنَّ غالب القرآن.
القسم الثاني: المتشابه وهي قليلة ولا يستدل بها بل يرجع في تقرير معناها إلى المحكَّمات والصرائح,
وفي نفس الآية قسَّم الله الناظرين فجعل نظر أهل الزيغ في المتشابه, وجعل غيرهم من الراسخين ينظرون في المحكمات, فقال سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: ٧], تطبيق على ذلك:
من المتشابه : قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } [المائدة: 69]. ومن عرف اللغة العربية عرف الآية.
أولًا: هذا شرط والشرط إذا انعدم انعدم المشروط، فالله يشرط أنَّ من آمن من هؤلاء فله كذا، فهل تحقق الشَّرط؟
ولم يحكم لهم بالإيمان ولا حكم لهم بالنَّجاة بدون الشَّرط.
ثانيًا: سمّى الله في الآية أتباع محمَّد المؤمنين وبدأ بهم، وسمّى الله غيرهم بنعوتهم وهي:- «اليهود والنصارى والصابئين» ولم يثبت الله إيمانهم.
ثالثًا: الشَّرط هنا الإيمان بالله واليوم الآخر، وأنت فهمت الآية هكذا، من آمن بالله واليوم الآخر ولو كفر بما أنزل أو كفر برسله أو ببعضهم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون!!
فهل فهمت من منطوق الآية ومنصوصها أو آية غيرها أنَّ من كفر برسل الله أو بكتبه أو ببعضها يكون مؤمنًا بالله؟
الجواب: لا، لأنَّ النَّص في الآية لم يقل ذلك، أما في غيرها فقد صرح الله بأنّه الكافر حقًا {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 150 – 152]
إذًا, فيكون معنى الإيمان في الآية السَّابقة هو هذا حيثُ أطلق؛ لأنَّ الإيمان منظومة متكاملة في القرآن القطعي الدلالة. فمن قال يكفي الإيمان بالله بدون رسله فهو كاذبٌ على الله يزعم أنَّ الله يقول: يكفي أن تؤمنوا بي فقط ولكم أن تكفروا برسلي وبقرآني الذي أنزلت, فهل يقول هذا من له ذرة عقل قبل أن يكون له نظر في اللغة ودلالاتها, ومن خلال هذا يتبين أن المشكل والمتشابه يرد إلى الصرائح والبينات المحكمات.
وهذه قاعدة هامة وقانون كلي لا يختلف فيه اثنان من أهل النظر سواء في العلوم العقلية أو النقلية أو القانونية والدستورية أو اللغوية.
بل هو أصلٌ كليٌّ في جميع العلوم أن متشابه كل علم يرد إلى بيناته وصرائحه.
1- علم الدلالات جزء من علم أصول الفقه وهو أحد كتله الثلاث الكبرى وهي الدلالة والتعارض والقياس. فمن أتقنها فهو الأصولي .
6- فقه الصحابة والتابعين والمذاهب الأربعة والظاهرية, قامت وبنيت على هذه القوانين الصارمة في فقه الدلالات اللغوية في القرآن والسنن وعللها مقاصدها وأسرارها .6- فقه الصحابة والتابعين والمذاهب الأربعة والظاهرية, قامت وبنيت على هذه القوانين الصارمة في فقه الدلالات اللغوية في القرآن والسنن وعللها مقاصدها وأسرارها .
3- فمن قال سأرمي بها عرض الحائط أو التراث لا مكان له, فقد قال سأرمي بالعلم والمنهجية وأكتفي بالجهل والغوغائية. وهو كمن قال لا أعترفُ بقانون ولا دستور ولا أنظمة ولا لوائح, كما إنه يطعن في علم دلالة اللسان العربي ويطعن في منهج أساطينه وأربابه من الصحابة ومن بعدهم, ويطعن في المنهجية العلمية الصَّارمة التي بني عليها الفقه .
4- وفقه العصر واجتهادات المجامع والهيئات في عصرنا والمؤتمرات الفقهية والورش العلمية كلها قائمة على علم الدلالات بأنواعه.
9- فمن انطلق من فقه الدلالة بأنواعها التي ذكرنا أهمها وأبرزها فله الحق أن يسمع له وأن ينظر وأن يستنبط .
أما من كان أعمى بلا منهج ولا قوانين ولا دلالات اللغة والنظر فيها فأراد أن يقدم للعالم فقها وفهمًا, خارج تلك القوانين فهو إما هاوٍ قد امتلأ بالجهل وهذا كثير في ناشطي (أدوات التواصل الاجتماعي), أو معاند لا يبحثُ عن الحق بل عن العناد لشخص أو توجه وهذا منهج أقرب إلى الطفولية والمكايدة النّسوية وأكثرهم من قليلي العقل, وقد تأملت في هذا النوع فلم أجد منهم من له عقلٌ وافر, أو مأجور يضل الناس ضمن منظومة تخريبية للإسلام شبابها وجيلها وهؤلاء نشأت لهم مؤسسات كشحرور الهالك وأضرابه من المأجورين. وهؤلاء من يقومون بتحريف الإسلام ومحاربته من الداخل, وقد رأيناهم يحملون دعوات الردة وعمل قوم لوط والفواحش باسم الحريات في الأمة, وهناك أدوات جاهزة لذلك حصنوا جيلكم وأبناءكم وحذروهم من هؤلاء الأدوات, ومن متابعتهم فهم لا يريدون حقًا ولا حجة ولا مناظرة, يهدمون قواطع الدين وحسب . إذ يعملون على برنامج ممول لهدم بناء الإسلام وهدم الأسرة والقيم والمجتمع.
والله من وراء القصد,
والحمد لله أولًا وآخرًا .
أ.د. فضل_مراد
أمين لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة بجامعة قطر