الجائز المباح إن أدى إلى مفسدة أكبر من مصلحته حرم، وكذا إن تساوت المصلحة والمفسدة، والترحم على كل مسلم كان صالحاً أو فاجراً ميتاً أو حياً من باب الجائز المباح، وهو دعاء شخصي فيكون شخصياً، فإن أدّى الجهر بالمباح إلى مفسدة الفتنة والفرقة أو زيادتها أو أدى إلى وقوع في الأعراض حرم ذلك.
وقد نهى الله -عز وجل- عن سب الأصنام إن أدى ذلك إلى سب الله (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ).
أما اللعن فلا يجوز لعن مسلم معين لا حياً ولا ميتاً كان فاسقاً أو تقياً بإجماع وقد ورد في الصحيحين: (لعن المؤمن كقتله )
وورد في البخاري النهي عن لعن شخص كان يشرب الخمر ويجلد..
بل حتى الكافر المعين الحي لا يجوز لعنه على الراجح من قول العلماء؛ لأن الله قيد لعنتهم بموتهم على الكفر قال تعالى:( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)
ولذلك نهي النبي -عليه الصلاة والسلام- عن لعن قتلة القراء لما قنت عليهم شهراً كما في البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الأولى يقول: “اللهم العن فلانا وفلانا بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد”، فأنزل الله عز وجل:” ليس لك من الأمر شيء” إلى قوله: “فإنهم ظالمون”. رواه البخاري (4559).
أما لعن العصاة بدون تعيين كقولهم: ” اللهم العن الظالمين والكاذبين والكافرين” فهو جائز، لكنه غير مطلوب وجوباً ولا استحباباً، وإنما جاء في القرآن ليكون دليلا على تحريم تلك المعصية على وجه التغليظ كونها من الكبائر، فهو دليل على تغليظ الجرم لا أنا مكلفون باللعن وممارسته وجوباً واستحباباً
كما أن المقصود لعن المعصية لا الشخص المعين.
فهو جائز من هذا الباب، وهو كذلك خاضع لفقه الموازنات، فإن كان الجهر به موصل لفتنة منع منه؛ لأن بعض السياقات الواقعية يفهم منها المقصود باللعن
فيؤدي إلى تباغض أو فتنة.
والله أعلم
أ. د. فضل مراد