Dr.Fadil

أي فريضة فرطنا فيها؟! 

أ.د فضل مراد

0

 

لا أعلم في نصوص الكتاب والسنة أفضل بعد الإيمان وأركانه من الجهاد، ولم ترد نصوص بهذه الكثرة في فرض بعد الإيمان وأركانه مثل الجهاد.

 

فهو أولى وأفضل الأعمال عند الله، فهو عينا أفضل من كل واجب وتطوع بعد ذلك، وأفضل كفائياً من كل فرض كفائي وتطوع، حتى أنه يقدم إن كان عينياً على فريضة طاعة الوالدين والزوج والحاكم،

لا خلاف بين أهل العلم.

 

وقد ثبت في الأحاديث أن وقوف ساعة في سبيل الله أو حراسة ليلة أفضل من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود

 

حتى الصلاة جعلها في كيفية خاصة للمجاهدين تجوز فيها الحركة وتسقط فيها الأركان في حالات ولها سبعة عشر كيفية قتالية.

 

وفرض الإفطار من صيام رمضان عند لقاء العدو وعلى هذا ينزل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصائمين بعد أمره بالفطر في فتح مكة(أولئك العصاة)

فكان صوم رمضان معصية حال الزحف ولقاء العدو؛ لأنّه يؤدي إلى الضعف؛ لأن الصوم له بدل والجهاد لا بدل له.

 

وهكذا الزكاة جعل سهماً مستقلا للمقاتلين في سبيل الله، وزاد لهم فرضًا عامًا للنفقة الماليّة على الجهاد.

 

والجهاد إن تعيّن مقدم على الحج فرضاً ونفلا؛ لأن الحج فرضاً يستدرك على كل قول سواء قلنا أنه مضيّق أم موسع، فأيّ فريضة فرطنا فيها أيها المؤمنون.

 

وانظر إلى اختلاف وتنوع أساليب الأمر بهبدأ بالتحريض (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ) هذا من التعبئة العامة الواجبة،

وإعداد القوة الرادعة بكل أنواعها (وَأَعِدُّوا لَهُم )

 

وقد كررت آيات الجهاد والقتال في القرآن ما لا يحصى كثرة، ولو كان يكفي الإعلام بالفرضية لكفت آية واحدة، فكانت آيات الجهاد تحرض وتلهب وتستدعي الإباء والنخوة والعزة مثل (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ)

 

وتارة بالتعليل وأسلوب الألهاب والاستنكار (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ) وتارة بتذكيرهم بما يؤلمهم مثل إخراجهم من البيوت والأرض، وتارة تذكيرهم بما يعز عليهم وهو رسول الله ( وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ)، وانظر إلى التحريض الاستدعائي للقتال بمجرد أنهم هموا بإخراج الرسول كيف بمن يسبه ويشتمه، لذلك أهدر النبي دمه ولم يقبل له عذرا.

 

وتارة بتذكيرهم بالبادئ أظلم (وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ).

 

وتارة لأجل المستضعفين، وتارة لأجل إخراجهم كما أخروهم، وتارة لأنهم يشكلون خطرا في حدود الدولة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) (التوبة: 123)

 

وتارة لأنهم في عقر بلاد المسلمين يشكلون قوة عسكرة خطرة فأمره بقتالهم ومنحهم أربعة أشهر فقط مهلة

(فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 5)

وهذه تنزل على كل قوة عسكرية داخل الدولة كافرة والعدو الصهيوني كذلك.

 

وتارة لدفع فتنة دينية، أو ظلم عن أهل الإسلام (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه)، والفتنة كل عدوان على دين أو عرض أو أرض أو مال.

 

وتارة ردا على العدوان (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ).

 

وقد ذكر الله في القرآن اثني عشر سبباً للقتال بأساليب مختلفة تتبعتها وذكرتها في المقدمة في فقه العصر فقه الجهاد، ومن خلال التتبع وجدت أن أسلوب الإلهاب والتحريض غالب على أسلوب الأمر المجرد، ويستنبط منه أن الـتحريض والإلهاب أقوى وأعلى دلالة في الفرضية من مجرد الأمر.

 

وانظر إلى بيان الله للمجاهدين أنهم أحياء يرزقون، وهذا أسلوب آخر للإلهاب على الجهاد؛ لأن الموت تخشاه النفس

فلما بشرهم بالحياة الخاصة عنده خاصة في حضرته سبحانه وقع في النفوس أعظم موقع.

 

وبشرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يحس الألم مطلقا إلا كقرصة النملة، وهذه معالجات للمخاوف لكسر كل الحواجز عن الجهاد، بل انظر كيف بشرهم أنه سيدير المعركة وينصرهم أن نصروه

وبشرهم بالغلبة (يغلبوا ألفا) فهذا كتاب من الله.

 

فالجهاد من أعظم الأعمال، بل ذروة سنام الإسلام كما في الحديث قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- (مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِهِ؛ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ) رواه مسلم

 

وثم نذارة خطرة لمن لم يقم بهذه الفريضة ففي الحديث الثابت في السنن

(من لم يغزُ ولم يجهِّز غازيًا أو يخلُف غازيًا في أهلِهِ بخيرٍ أصابَهُ اللَّهُ بقارعةٍ قبلَ يومِ القيامَةِ).

 

أ.د. فضل مراد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.