Dr.Fadil

الجهاد فرض على أنواع.. من فقه الجهاد

أ.د فضل مراد

0

 

الأول: الإعداد التام للوصول إلى النهضة الشاملة، وهذا فرض دائم عيني على الدولة وكفائي بالنظرة الكلية «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة» (الأنفال:60).
الثاني: التعبئة «يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون» (الأنفال:65)، وهو فرض عند استدعاء سببه.
الثالث: القتال، وهو فرض مطلق معلل مسبب كما سبق.
الرابع: جهاد النفس وتطهيرها وتزكيتها، وهو ربع الرسالة «هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين» (الجمعة:2).
الخامس: الإصلاح الشامل وإنهاء الفساد، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
1- أما الإعداد فهو في كل معنى للقوة يحصل منه ردع للعدو استقلالا أو استكمالا.
وأدناه الآن مكافأة قوة العدو تسليحا، وتدريبا، وإعدادا، وتصنيعا لا عددا بالنص «إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون» (الأنفال:65).
وإنما قلنا أدناه؛ لأن الغرض في الإعداد معلق بالاستطاعة، وهذه العلة متحققة في دول العرب والمسلمين، وأدناها المماثلة وهي مستطاعة.
ووحدتهم من القوة فهي فرض بالوسيلة هنا، وفرض بالنص في مواضع.
ودول الجزيرة العربية السبع (السعودية والإمارات والبحرين وعمان وقطر والكويت واليمن) أشد في فرضية الوحدة، ويليها العراق والشام ومصر.
ويدخل في القوةِ القوةُ الاقتصادية؛ لأنه لا إمكان لإعداد معتبر في ميزان القوى المعاصر إلا بذلك.
وكل وسائل ذلك من قوة المؤسسة العلمية التي تخرج المتخصصين في مختلف علوم النهضة، شرعيةً وتكنولوجيةً وفكريةً.
وكل هذه الأمور مستطاعة للعرب والمسلمين اليوم؛ فهم آثمون لتقصيرهم وحكامهم أشد إثما؛ والواجب دفع مفاسد استطالة عدوهم عليهم وعلى دينهم، احتلالا ونهبا واستضعافا وفتكا وأسرا وسجنا وابتزازا لقراراتهم السياسية والسيادية، وصدهم عن سبيل الله كثيرا، واستهزائهم بالله وآياته ورسوله، وقتلهم لأهله، وإخراجهم من ديارهم بغير حق، واعتدائهم ابتداء بالقتال والبغي «وهم بدءوكم أول مرة» (التوبة:13)، ونكثهم للعهد والميثاق الدولي والإنساني «نكثوا أيمانهم» (التوبة:13).
فتلخصت القوة الإعدادية الفرضية في النص بخمسة أمور لا بد منها، وهي القوة العسكرية، والاقتصادية، والتعليمية، ووحدة الصف، فهذه الآن هي القوة، وفرض تحصيلها، وكل ما لا تتم إلا به من الوسائل فهو واجب. وقبل ذلك كله تحقيق الإيمان والعمل الصالح فهو ضرورة يتعذر تمكين الأمة إلا به «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون» (النور:55).
ولكل عصر قوةٌ بدليل أمر عمر للمقاتلين ألا يقصوا أظافرهم في الغزو؛ لأنها تحل عقدة وتخدش عدوا؛ فجعلها من معاني القوة، وهو فقه واقعي دقيق في عصره. وقوله تعالى «ومن رباط الخيل» هو كناية عن القتال ومعسكراته الكثيرة؛ لأن العرب تقول بنو فلان كثيرو مرابط الخيل أي: مقاتلون.
وقوله تعالى «ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم» تعليل للإعداد وهو إحداث قوة ردع ترهب العدو من الاعتداء سواء كان العدو الظاهر وهو ما نعلمه أو الأعداء السريين الذين لا نعلمهم، الذين في قوله تعالى «وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم».
2- أما النوع الثاني من الجهاد فهو: التعبئة
وهو المستنبط من قوله تعالى «وحرض المؤمنين»، فهذا فرض للأمر به ومعلل بقوله تعالى «عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا» (النساء:84)، فالتحريض والتعبئة على قتال العدو يكف بأسهم ويوقف أطماعهم.
وهو شامل لنوعين من التعبئة:
1) التعبئة المنهجية العامة.
2) التعبئة الخاصة.
أما الأولى فهي في إشاعة أحكام الجهاد الشامل للناس وجعله ضمن المناهج التعليمية الدراسية من المستويات الوسطى؛ لأنه منهج منزل منصوص في القرآن بكثرةٍ واسعة مقصودة لتعليم أهل الإسلام.
فتعليمه مقصد رباني، ولا يقال ليس كل مذكور بكثرة في القرآن واجباً تعليمه كقصة فرعون مثلا.
فالجواب: كل ما ذكر في القرآن تعليما لأهل الإسلام؛ فواجب عليهم أن يعلموه بحسبه، ولكل عصر وسائله، وسواء كان تعليما لأهل الإسلام للاعتقاد أو العمل فهو لازم تعلمه وتعليمه بحسبه زمانا ومكانا وأشخاصا.
وقولنا «للاعتقاد» ليشمل العقائد والإيمان.
وقولنا «العمل» يشمل كل ما يقصد من العمل فرضا أو تطوعا.
وقصة موسى مع فرعون فيها من الاعتقاد والعمل ما هو لازم لنا في شريعتنا، فتعليمها في المناهج الدراسية مطلوب موافق لمقاصد القرآن المنزل.
ولا يجوز حذف آيات الجهاد من المناهج الدراسية، ومن فعل ذلك فهو منافق، أو جاهل عَمِلَ عَمَلَ أهل النفاق؛ لأن الله ذكر عنهم كرههم لنزول آيات الجهاد فمنهم من ينصرف أو يستأذن كذبا، أو يقول هي لا تزيد في الإيمان فلا فائدة فيها «أيكم زادته هذه إيمانا» (التوبة:124)، ومنهم من يقول: دفعا لعملية السلام فلتحذف هذه الآيات من المناهج. وكل هذا من النفاق؛ لأنه فرض؛ وآيات السلام فرض؛ وبيان ما أنزل واجب؛ وإخفاء بعضه وإظهار بعض هوى عمله أهل الكتاب يهودا ونصارى فلعنهم الله وذم فعلهم.
ومن التبعئة القتالية الداخلة في عموم النص «حرض المؤمنين على القتال»، إصدار الأفلام الوثائقية والتاريخية وإنزالها على شاشات العرض بأنواعها وعلى الشبكات الإلكترونية، ومن ذلك دعم المقاومة المجاهدة بالمال والخطاب السياسي والإعلامي، وبالكتابة والشعر، وإنشاء المنظمات والهيئات والحركات الداعمة.
وكل وسيلة ترفع معنويات الأمة، وتحيي قضاياها العامة وتدفع عدوها عن بلادها فهي داخلة تحت عموم الأمر بالتعبئة.
أما التعبئة الخاصة فيدخل فيها دخولا أوليا القوات المسلحة والأمن، سواء في المعسكرات، أو الكليات العسكرية والثكنات في مختلف البلاد، وهذا واجب على قيادة الجيش.
ولا بد من تخصيص جهة لذلك كالتوجيه المعنوي تعبئ وتنشر بمختلف الوسائل الإعلامية المتاحة، وقد جاء في الحديث الصحيح «لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف»، فهذا يدل على حث الشرع على التوجيه والإلهاب ورفع المعنويات في الجيش بتوظيف الوسائل كذلك الصوت وغيره.
3- النوع الثالث للجهاد: القتال.
والقتال في سبيل الله أسباب وجوبه متعددة، وله شروط وأركان وواجبات، فإذا توفرت الأسباب والشروط اجتمع أولو الأمر وجوبا للمشاورة؛ لعموم النص «وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا» (النساء:83).

الحلقة الثانية من فقه الجهاد _ المقدمة في فقه العصر
أ.د. فضل_مراد
أمين لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة بجامعة قطر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.